الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 324 ] ويصح رهن الدراهم والدنانير ، فإن رهنت بجنسها فهلكت سقط مثلها من الدين ، وكذلك كل مكيل وموزون ، وإن اختلفا في الجودة والرداءة; ويصح برأس مال السلم وبدل الصرف ، فإن هلك قبل الافتراق تم الصرف والسلم وصار مستوفيا ، وإن افترقا والرهن قائم بطلا; ويصح بالدين الموعود ، فإن هلك هلك بما سمى ومن اشترى شيئا على أن يرهن بالثمن شيئا بعينه فامتنع لم يجبر ، والبائع إن شاء ترك الرهن ، وإن شاء رد البيع ، إلا أن يعطيه الثمن حالا ، أو يعطيه رهنا مثل الأول ، وإن رهن عبدين بدين فقضى حصة أحدهما فليس له أخذه حتى يقضي باقي الدين ، وإن رهن عينا عند رجلين جاز ، والمضمون على كل واحد منهما حصة دينه ، فإن أوفى أحدهما فجميعها رهن عند الآخر ، وللمرتهن مطالبة الراهن وحبسه بدينه وإن كان الرهن في يده ، وليس على المرتهن أن يمكنه من بيعه لقضاء الدين .

التالي السابق


فصل

( ويصح رهن الدراهم والدنانير ) لتحقق الاستيفاء منها فكانت محلا للرهن .

( فإن رهنت بجنسها فهلكت سقط مثلها من الدين ) لأن الاستيفاء حصل ، ولا فائدة في تضمينه بالمثل لأنه مثلي ثم يدفعه إليه قضاء .

( وكذلك كل مكيل وموزون ، وإن اختلفا في الجودة والرداءة ) لأن الشرع أسقط اعتبار الجودة عند المقابلة بالجنس على ما مر في البيوع .

قال : ( ويصح برأس مال السلم وبدل الصرف ) لتحقق الاستيفاء والمجانسة ثابتة في المالية فلا يكون استبدالا .

[ ص: 325 ] ( فإن هلك قبل الافتراق تم الصرف والسلم وصار مستوفيا ) لتحقق القبض حكما .

( وإن افترقا والرهن قائم بطلا ) لوجود الافتراق لا عن قبض وأنه شرط فيهما على ما عرف .

قال : ( ويصح بالدين الموعود ، فإن هلك هلك بما سمى ) لأنه مقبوض على جهة الرهن ، فيكون كالمقبوض على سوم الشراء . وصورته أن يرهنه شيئا على أن يقرضه درهما فيهلك قبل القرض فعليه أن يعطيه درهما ، ولو قال على أن يقرضه شيئا ولم يسم فهلك أعطاه ما شاء والبيان إليه ، لأن بالهلاك صار مستوفيا شيئا فيصير كأنه قال عند الهلاك : وجب لفلان علي شيء ، ولو قال بدراهم يلزمه ثلاثة لأنها أقل الجمع .

وعن أبي يوسف لو قال أقرضني وخذ هذا الرهن ، ولم يسم فأخذه ، وضاع ولم يقرضه قال : عليه قيمة الرهن .

قال : ( ومن اشترى شيئا على أن يرهن بالثمن شيئا بعينه فامتنع لم يجبر ) لما بينا أنه عقد تبرع .

( والبائع إن شاء ترك الرهن ، وإن شاء رد البيع ) لأنه وصف مرغوب فيه ، وقد فاته فيتخير .

قال : ( إلا أن يعطيه الثمن حالا ) لحصول المقصود .

( أو يعطيه رهنا مثل الأول ) لحصول المعنى ، وهو الاستيثاق بمثله في القيمة ، والقياس أن لا يجوز هذا البيع لأنه صفقة في صفقة ، وهو منهي عنه ، ولأنه شرط لا يقتضيه العقد ، وفيه نفع لأحدهما ، وأنه يفسد البيع لما مر ، ووجه الاستحسان أنه شرط يلائم العقد ، لأن الرهن للاستيثاق ، وهو ملائم للوجوب فلا يفسده .

قال : ( وإن رهن عبدين بدين فقضى حصة أحدهما فليس له أخذه حتى يقضي باقي الدين ) لأنه ثبت له حق الحبس في الكل للاستيثاق بالدين ، وبكل جزء منه ليكون أدعى إلى قضاء الدين ، فصار كالمبيع في يد البائع ، وكذلك إن سمى لكل واحد منهما شيئا من الدين في رواية الأصل . وذكر في الزيادات : له قبضه إذا أدى ما سمى له ، وهو قول محمد لأنه محبوس بالقدر الذي [ ص: 326 ] سماه له ، ولهذا لو هلك هلك به . ووجه الأول أن الصفقة واحدة ، وإن عين لكل واحد منهما شيئا ، ولهذا لو قبل العقد في البعض دون البعض لا يجوز كما في البيع .

قال : ( وإن رهن عينا عند رجلين جاز ) لأنه أضاف الرهن إلى جميعها صفقة واحدة ، فيكون محتبسا بما رهنها به وهو مما لا يقبل التجزي فيكون محبوسا بكل واحد منهما ، فإن تهايآ فكل واحد منهما في حق صاحبه كالعدل .

قال : ( والمضمون على كل واحد منهما حصة دينه ) لأنه يصير مستوفيا حصته بالهلاك .

( فإن أوفى أحدهما فجميعها رهن عند الآخر ) لأن جميعها رهن عند كل واحد منهما من غير تفريق لما بينا وصار كحبس المبيع إذ أدى أحد المشتريين حصته .

قال : ( وللمرتهن مطالبة الراهن وحبسه بدينه وإن كان الرهن في يده ) لبقاء حقه في الدين ، والرهن للاستيثاق فلا يمنع المطالبة ، فإذا طالبه ومطله فقد ظلمه ، فيحبسه القاضي جزاء على الظلم .

( وليس على المرتهن أن يمكنه من بيعه لقضاء الدين ) لأن حقه ثابت في الحبس حتى يستوفي دينه فلا يجب عليه إبطاله بالبيع ، إلا أنه يؤمر بإحضاره لما بينا أن قبضه قبض استيفاء ، فلو قبض دينه مع ذلك يتكرر الاستيفاء على تقدير محتمل ، وهو الهلاك في يده ، وإذا أحضره قيل للراهن سلم الدين أولا ليتعين وهو نظير بيع السلعة بالثمن .




الخدمات العلمية