الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ( 169 ) )

وقال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "ألم يؤخذ" ، على هؤلاء المرتشين في أحكامهم ، القائلين : "سيغفر الله لنا فعلنا هذا" ، إذا عوتبوا على ذلك " ميثاق الكتاب " ، وهو أخذ الله العهود على بني إسرائيل ، بإقامة التوراة ، والعمل بما [ ص: 215 ] فيها . فقال جل ثناؤه لهؤلاء الذين قص قصتهم في هذه الآية ، موبخا على خلافهم أمره ، ونقضهم عهده وميثاقه : ألم يأخذ الله عليهم ميثاق كتابه ، ألا يقولوا على الله إلا الحق ، ولا يضيفوا إليه إلا ما أنزله على رسوله موسى صلى الله عليه وسلم في التوراة ، وأن لا يكذبوا عليه؟ كما : -

15327 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس : " ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق " ، قال : فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها .

وأما قوله : " ودرسوا ما فيه " ، فإنه معطوف على قوله : " ورثوا الكتاب " ، ومعناه : " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب " ، " ودرسوا ما فيه " ويعني بقوله : " ودرسوا ما فيه " ، قرأوا ما فيه ، يقول : ورثوا الكتاب فعلموا ما فيه ودرسوه ، فضيعوه وتركوا العمل به ، وخالفوا عهد الله إليهم في ذلك ، كما : -

15328 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ودرسوا ما فيه " ، قال : علموه ، علموا ما في الكتاب الذي ذكر الله ، وقرأ : ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) ، [ سورة آل عمران : 79 ] .

قال أبو جعفر : " والدار الآخرة خير للذين يتقون " ، يقول جل ثناؤه : وما في الدار الآخرة ، وهو ما في المعاد عند الله ، مما أعد لأوليائه ، والعاملين بما أنزل في كتابه ، المحافظين على حدوده " خير للذين يتقون الله" ، ويخافون [ ص: 216 ] عقابه ، فيراقبونه في أمره ونهيه ، ويطيعونه في ذلك كله في دنياهم " أفلا يعقلون " ، يقول : أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون عرض هذا الأدنى على أحكامهم ، ويقولون : " سيغفر لنا " ، أن ما عند الله في الدار الآخرة للمتقين العادلين بين الناس في أحكامهم ، خير من هذا العرض القليل الذي يستعجلونه في الدنيا على خلاف أمر الله ، والقضاء بين الناس بالجور؟

التالي السابق


الخدمات العلمية