الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدهما 2915 - ( عن ابن عباس : { أنه ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ، ثم انصرف ، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلا ، فقال عاصم : ما ابتليت بهذا إلا لقولي فيه ، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ، وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر ، وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلا آدم كثير اللحم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم بين ، فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها ، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، فقال رجل لابن عباس في المجلس : أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه ؟ فقال ابن عباس : لا ، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( فقال عاصم في ذلك قولا ) أي كلاما لا يليق به كالمبالغة في الغيرة وعدم الرجوع إلى إرادة الله وقدرته . وقال الحافظ : إن المراد بالقول المذكور هو ما وقع في حديث سهل بن سعد أنه سأل عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل عنه . قوله : ( فأتاه رجل من قومه ) قال في الفتح : هو عويمر ، ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم . قوله : ( ما ابتليت بهذا إلا لقولي ) أي بسؤالي عما لم يقع فكأنه عرف أنه عوقب بذلك وإنما جعله ابتلاء لأن امرأة عويمر بنت عاصم المذكور واسمها خولة بنت عاصم كما ذكره ابن الكلبي ، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم . وروى ابن أبي حاتم ، في التفسير عن مقاتل بن حبان أن الزوج وزوجته والرجل الذي رمي بها ثلاثتهم [ ص: 328 ] بنو عم عاصم . قوله : ( مصفرا ) بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء : أي قوي الصفرة ، وهذا لا يخالف ما في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لأن ذلك لونه الأصلي والصفرة عارضة . والمراد بقليل اللحم : نحيف الجسم ، والسبط قد تقدم تفسيره

                                                                                                                                            قوله : ( خدلا ) بالخاء المعجمة والدال المهملة ، قال في القاموس : الخدل : الممتلئ ، وساق خدلة : بينة الخدل محركة ثم قال : والخدلة المرأة الغليظة الساق وممتلئة الأعضاء لحما في رقة عظام ، انتهى . وقال في الفتح : خدلا بفتح المعجمة وتشديد اللام : أي ممتلئ الساقين . وقال أبو الحسن بن فارس : ممتلئ الأعضاء . وقال الطبري : لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم . قوله : ( آدم ) بالمد : أي لونه قريب من السواد . قوله : ( كثير اللحم ) أي في جميع جسده . قال في الفتح : يحتمل أن يكون صفة شارحة لقوله خدلا بناء أن الخدل : الممتلئ البدن . قوله : ( اللهم بين ) قال ابن العربي : ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط ، بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع ولادها بموت الولد مثلا فلا يظهر البيان . والحكمة في البيان المذكور ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب عليه من القبح . قوله : ( فلاعن . . . إلخ ) ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة ، وعلى ذلك بوب المصنف

                                                                                                                                            وقد تقدم في حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع . ورواية ابن عباس هذه هي القصة التي في حديث سهل كما تقدم ، فعلى هذا تكون الفاء في قوله : " فلاعن " لعطف لاعن على " فأخبره بالذي وجد عليه امرأته " ويكون ما بينهما اعتراضا . قوله : ( فقال رجل لابن عباس ) هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس سماه أبو الزناد كما ذكره البخاري في الحدود . قوله : ( كانت تظهر في الإسلام السوء ) أي كانت تعلن بالفاحشة ولكنه لم يثبت ذلك عليها ببينة ولا اعتراف . قال الداودي : فيه جواز غيبة من يسلك مسالك السوء . وتعقب بأنه لم يسمها فإن أراد إظهار الغيبة على طريق الإبهام فمسلم .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية