الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ( 172 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم ، فقررهم بتوحيده ، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك ، وإقرارهم به . كما : -

15338 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال : حدثنا الحسين بن محمد قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا فقال : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا . . . " الآية ، إلى ( بما فعل المبطلون ) ، " . [ ص: 223 ]

15339 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا كلثوم بن جبر قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : سألت عنها ابن عباس ، فقال : مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذه وأشار بيده فأخذ مواثيقهم ، وأشهدهم على أنفسهم ( ألست بربكم قالوا بلى ) [ ص: 224 ]

15340 - حدثنا ابن وكيع ويعقوب قالا : حدثنا ابن علية قال : حدثنا كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) قال : مسح ربك ظهر آدم ، فخرجت كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الذي وراء عرفة ، وأخذ ميثاقهم ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) ، اللفظ لحديث يعقوب .

15341 - وحدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه في هذا الحديث : ( قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )

15342 - حدثنا عمرو قال : حدثنا عمران بن عيينة قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أول ما أهبط الله آدم ، [ ص: 225 ] أهبطه بدهنا ، أرض بالهند ، فمسح الله ظهره ، فأخرج منه كل نسمة هو بارئها [ ص: 226 ] إلى أن تقوم الساعة ، ثم أخذ عليهم الميثاق : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) .

15343 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، [ ص: 227 ] عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أهبط آدم حين أهبط ، فمسح الله ظهره ، فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، ثم قال ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، ثم تلا ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) ، فجف القلم من يومئذ بما هو كائن إلى يوم القيامة .

15344 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : لما خلق الله آدم ، أخذ ذريته من ظهره مثل الذر ، فقبض قبضتين ، فقال لأصحاب اليمين : " ادخلوا الجنة بسلام " ، وقال للآخرين : " ادخلوا النار ولا أبالي " .

15345 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن حبيب ، [ ص: 228 ] عن ابن عباس قال : مسح الله ظهر آدم ، فأخرج كل طيب في يمينه ، وأخرج كل خبيث في الأخرى .

15246 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن علية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : مسح الله ظهر آدم ، فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة .

15347 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن عطاء ، عن سعيد ، عن ابن عباس : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : لما خلق الله آدم مسح ظهره بدحنا ، وأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، فقال : ( ألست بربكم قالوا بلى ) قال : فيرون يومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة .

15348 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله آدم عليه السلام أخذ ميثاقه ، فمسح ظهره ، فأخذ ذريته كهيئة الذر ، فكتب آجالهم [ ص: 229 ] وأرزاقهم ومصائبهم ، ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) .

15349 - . . . . قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن المسعودي ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : لما خلق الله آدم ، أخذ ميثاقه أنه ربه ، وكتب أجله ومصائبه ، واستخرج ذريته كالذر ، وأخذ ميثاقهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم .

15350 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ربيعة بن كلثوم بن جبر ، عن أبيه عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ) قال : مسح الله ظهر آدم عليه السلام وهو ببطن نعمان ، واد إلى جنب عرفة ، وأخرج ذريته من ظهره كهيئة الذر ، ثم أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا : بلى شهدنا .

15351 - . . . . قال : حدثنا أبي ، عن أبي هلال ، عن أبي جمرة الضبعي ، عن ابن عباس قال : أخرج الله ذرية آدم عليه السلام من ظهره كهيئة الذر ، وهو في آذي من الماء . [ ص: 230 ]

15352 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة قال : حدثنا أبو مسعود ، عن جويبر قال : مات ابن للضحاك بن مزاحم ، ابن ستة أيام قال : فقال : يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده ، فأبرز وجهه ، وحل عنه عقده ، فإن ابني مجلس ومسئول! ففعلت به الذي أمرني ، فلما فرغت ، قلت : يرحمك الله ، عم يسأل ابنك؟ من يسأله إياه؟ قال : يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم عليه السلام . قلت : يا أبا القاسم ، وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم؟ قال : حدثني ابن عباس أن الله مسح صلب آدم ، فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ، وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ، وتكفل لهم بالأرزاق ، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول ، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به لم ينفعه الميثاق الأول ، ومن مات [ ص: 231 ] صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة .

15353 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني السري بن يحيى ، أن الحسن بن أبي الحسن ، حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال : فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتد عليه ، ثم قال : "ما بال أقوام يتناولون الذرية؟" فقال رجل : يا رسول الله ، أليسوا أبناء المشركين؟ فقال : "إن خياركم أولاد المشركين! ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها" قال الحسن : والله لقد قال الله ذلك في كتابه ، قال : " ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) . [ ص: 232 ]

15354 - حدثنا عبد الرحمن بن الوليد قال : حدثنا أحمد بن أبي طيبة ، عن سفيان بن سعيد بن الأجلح ، عن الضحاك وعن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ) قال : "أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس ، فقال لهم ( ألست بربكم قالوا بلى ) قالت الملائكة : شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " . [ ص: 233 ]

15355 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ) قال : أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس .

15356 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ) قال : أخذهم كما يأخذ المشط عن الرأس . قال ابن حميد : كما يؤخذ بالمشط .

15357 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا روح بن عبادة ، وسعد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أبي أنيسة ، [ ص: 234 ] عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يسار الجهني : أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ) ، فقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : "خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون" . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : "خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون" . فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل؟ قال : "إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من عمل أهل الجنة ، فيدخله الجنة; وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من عمل أهل النار ، فيدخله النار . [ ص: 235 ]

15358 - حدثنا إبراهيم قال : حدثنا محمد بن المصفى ، عن بقية ، عن عمر بن جعثم القرشي قال : حدثني زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مسلم بن يسار ، عن نعيم بن ربيعة ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . [ ص: 236 ]

15359 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عمارة ، عن أبي محمد رجل من المدينة ، قال : سألت عمر بن الخطاب عن قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنه كما سألتني ، فقال : "خلق الله آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى ، فأخرج ذرءا ، فقال : "ذرء ذرأتهم للجنة" ، ثم مسح ظهره بيده الأخرى ، وكلتا يديه يمين ، فقال : "ذرء ذرأتهم للنار ، يعملون فيما شئت من عمل ، ثم أختم لهم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار" .

15360 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : إن الله خلق آدم عليه السلام ، ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر ، فقال لهم : من ربكم؟ قالوا : الله ربنا ، ثم أعادهم في صلبه ، حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة . [ ص: 237 ]

15361 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) ، . . إلى قوله : ( قالوا بلى شهدنا ) قال ابن عباس : إن الله لما خلق آدم مسح ظهره ، وأخرج ذريته كلهم كهيئة الذر ، فأنطقهم فتكلموا ، وأشهدهم على أنفسهم ، وجعل مع بعضهم النور ، وإنه قال لآدم : هؤلاء ذريتك آخذ عليهم الميثاق : أنا ربهم ، لئلا يشركوا بي شيئا ، وعلي رزقهم . قال آدم : فمن هذا الذي معه النور؟ قال : هو داود . قال : يا رب كم كتبت له من الأجل؟ قال : ستين سنة . قال : كم كتبت لي؟ قال : ألف سنة ، وقد كتبت لكل إنسان منهم كم يعمر وكم يلبث . قال : يا رب زده . قال : هذا الكتاب موضوع فأعطه إن شئت من عمرك! قال : نعم . وقد جف القلم عن أجل سائر بني آدم ، فكتب له من أجل آدم أربعين سنة ، فصار أجله مائة سنة . فلما عمر تسع مائة سنة وستين سنة جاءه ملك الموت; فلما رآه آدم قال : ما لك؟ قال له : قد استوفيت أجلك . قال له آدم : إنما عمرت تسع مائة وستين سنة ، وبقي أربعون سنة . قال : فلما قال ذلك للملك ، قال الملك : قد أخبرني بها ربي . قال : فارجع إلى ربك فاسأله ! فرجع الملك إلى ربه ، فقال : ما لك؟ قال : يا رب رجعت إليك لما كنت أعلم من تكرمتك إياه . قال الله : ارجع فأخبره أنه قد أعطى ابنه داود أربعين سنة .

15362 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الزبير بن موسى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن الله تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن ، فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء [ ص: 238 ] نقية ، فقال : هؤلاء أهل الجنة . ثم ضرب منكبه الأيسر ، فخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء ، فقال : هؤلاء أهل النار . ثم أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره ، والتصديق به وبأمره ، بني آدم كلهم ، فأشهدهم على أنفسهم ، فآمنوا وصدقوا وعرفوا وأقروا . وبلغني أنه أخرجهم على كفه أمثال الخردل . قال ابن جريج عن مجاهد قال : إن الله لما أخرجهم قال : يا عباد الله أجيبوا الله - "والإجابة" : الطاعة - فقالوا : أطعنا ، اللهم أطعنا ، اللهم لبيك ! قال : فأعطاها إبراهيم عليه السلام في المناسك : "لبيك اللهم لبيك" . قال : ضرب متن آدم حين خلقه . قال : وقال ابن عباس : خلق آدم ، ثم أخرج ذريته من ظهره مثل الذر ، فكلمهم ، ثم أعادهم في صلبه ، فليس أحد إلا وقد تكلم فقال : "ربي الله" . فقال : وكل خلق خلق فهو كائن إلى يوم القيامة ، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها . قال ابن جريج : قال سعيد بن جبير : أخذ الميثاق عليهم بنعمان - ونعمان من وراء عرفة - "أن يقولوا يوم القيامة ( إنا كنا عن هذا غافلين ) ، عن الميثاق الذي أخذ عليهم .

15363 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : جمعهم يومئذ جميعا ، ما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم استنطقهم ، وأخذ عليهم الميثاق ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) ، قال : فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع ، [ ص: 239 ] وأشهد عليكم أباكم آدم : أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا! اعلموا أنه لا إله غيري ، ولا رب غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، وأني سأرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ، وسأنزل عليكم كتبي ! قالوا : شهدنا أنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقروا له يومئذ بالطاعة ، ورفع عليهم أباهم آدم ، فنظر إليهم ، فرأى منهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ، ودون ذلك ، فقال : رب لولا ساويت بينهم! قال : فإني أحب أن أشكر . قال : وفيهم الأنبياء عليهم السلام يومئذ مثل السرج . وخص الأنبياء بميثاق آخر قال الله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) ، [ سورة الأحزاب : 7 ] وهو الذي يقول تعالى ذكره : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) ، [ سورة الروم : 30 ] وفي ذلك قال : ( هذا نذير من النذر الأولى ) ، [ سورة النجم : 56 ] يقول : أخذنا ميثاقه مع النذر الأولى ، ومن ذلك قوله : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) ، [ سورة الأعراف : 102 ] ، [ وهو قوله تعالى ] ( ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) ، [ سورة يونس : 74 ] قال : كان في علمه يوم أقروا به ، من يصدق ومن يكذب . [ ص: 240 ]

15364 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ) قال : أخرجهم من ظهر آدم ، وجعل لآدم عمر ألف سنة . قال : فعرضوا على آدم ، فرأى رجلا من ذريته له نور فأعجبه ، فسأل عنه ، فقال : هو داود ، قد جعل عمره ستين سنة! فجعل له من عمره أربعين سنة; فلما احتضر آدم ، جعل يخاصمهم في الأربعين سنة ، فقيل له : إنك أعطيتها داود ! قال : فجعل يخاصمهم .

15365 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ) قال : أخرج ذريته من ظهره كهيئة الذر ، فعرضهم على آدم بأسمائهم وأسماء آبائهم وآجالهم! قال : فعرض عليه روح داود في نور ساطع ، فقال : من هذا؟ قال : هذا من ذريتك ، نبي خليفة . قال : كم عمره؟ قال : ستون سنة قال : زيدوه من عمري أربعين سنة . قال : والأقلام رطبة تجري . فأثبت لداود الأربعون ، وكان عمر آدم عليه السلام ألف سنة; فلما استكملها إلا الأربعين سنة ، بعث إليه ملك الموت ، فقال : يا آدم أمرت أن أقبضك . قال : ألم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال : فرجع [ ص: 241 ] ملك الموت إلى ربه ، فقال : إن آدم يدعي من عمره أربعين سنة! قال : أخبر آدم أنه جعلها لابنه داود والأقلام رطبة ! فأثبتت لداود .

15366 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو داود ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، بنحوه .

15367 - . . . . قال : حدثنا ابن فضيل وابن نمير ، عن عبد الملك ، عن عطاء : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ) قال : أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردهم في صلبه .

15368 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير ، عن نضر بن عربي : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : أخرجهم من ظهر آدم حتى أخذ عليهم الميثاق ، ثم ردهم في صلبه .

15369 - . . . . قال : حدثنا محمد بن عبيد ، عن أبي بسطام ، عن الضحاك قال : حيث ذرأ الله خلقه لآدم عليه السلام قال : خلقهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا : بلى .

15370 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : قال ابن عباس : خلق الله آدم ، ثم أخرج ذريته من ظهره ، فكلمهم الله وأنطقهم ، فقال : ألست بربكم؟ قالوا : بلى ، ثم أعادهم في صلبه ، فليس أحد من الخلق إلا قد تكلم فقال : "ربي الله" ، وإن القيامة لن تقوم حتى يولد من كان يومئذ أشهد على نفسه .

15371 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمر بن طلحة ، عن أسباط ، [ ص: 242 ] عن السدي : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) ، وذلك حين يقول تعالى ذكره : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) ، [ سورة آل عمران : 83 ] وذلك حين يقول : ( فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) ، [ سورة الأنعام : 149 ] يعني : يوم أخذ منهم الميثاق ، ثم عرضهم على آدم عليه السلام .

15372 - قال : حدثنا عمر ، عن أسباط ، عن السدي قال : أخرج الله آدم من الجنة ، ولم يهبط من السماء ، ثم مسح صفحة ظهره اليمنى ، فأخرج منه ذريته كهيئة الذر ، أبيض ، مثل اللؤلؤ ، فقال لهم : ادخلوا الجنة برحمتي! ومسح صفحة ظهره اليسرى ، فأخرج منه كهيئة الذر سودا ، فقال : ادخلوا النار ولا أبالي! فذلك حين يقول : "أصحاب اليمين وأصحاب الشمال" ، ثم أخذ منهم الميثاق ، فقال : ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، فأطاعه طائفة طائعين ، وطائفة كارهين على وجه التقية . [ ص: 243 ]

15373 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي بنحوه وزاد فيه بعد قوله : "وطائفة على وجه التقية" فقال هو والملائكة : " شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم " . فلذلك ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله ، ولا مشرك إلا وهو يقول لابنه : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة ) ، والأمة : الدين ( وإنا على آثارهم مهتدون ) ، [ سورة الزخرف : 23 ] وذلك حين يقول الله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) ، وذلك حين يقول : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) ، [ سورة آل عمران : 83 ] وذلك حين يقول : ( فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ) ، [ سورة الأنعام : 149 ] يعني يوم أخذ منهم الميثاق .

15374 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي : "من ظهورهم ذرياتهم" قال : مسح الله على صلب آدم ، فأخرج من صلبه من ذريته ما يكون إلى يوم القيامة ، وأخذ ميثاقهم أنه ربهم ، فأعطوه ذلك ، ولا تسأل أحدا كافرا ولا غيره من ربك؟ إلا قال : "الله" . وقال الحسن مثل ذلك أيضا .

15375 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن جعفر ، [ ص: 244 ] عن أبيه ، عن علي بن حسين أنه كان يعزل ، ويتأول هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) .

15376 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) قال : أقرت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها .

15377 - حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثني الزبيدي ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الرحمن بن قتادة النصري ، عن أبيه ، عن هشام بن حكيم : أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أتبدأ الأعمال أم قد قضي القضاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم ، ثم أشهدهم على أنفسهم ، ثم أفاض بهم في كفيه ، ثم قال : "هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار" ، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة ، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار . [ ص: 245 ] [ ص: 246 ] [ ص: 247 ] [ ص: 248 ]

15378 - حدثني محمد بن عوف الطائي قال : حدثنا حيوة ويزيد قالا : حدثنا بقية ، عن الزبيدي ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الرحمن بن قتادة النصري ، عن أبيه ، عن هشام بن حكيم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

15379 - حدثني [ عبد الله بن ] أحمد بن شبويه قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عمرو بن الحرث قال : حدثنا عبد الله بن مسلم ، عن الزبيدي قال : حدثنا راشد بن سعد : أن عبد الرحمن بن قتادة حدثه : أن أباه حدثه : أن هشام بن حكيم حدثه : أنه قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 249 ] رجل ، فذكر مثله .

15380 - حدثنا محمد بن عوف قال : حدثني أبو صالح قال : حدثنا معاوية ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الرحمن بن قتادة ، عن هشام بن حكيم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

قال أبو جعفر : واختلف في قوله : ( شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) ، فقال السدي : هو خبر من الله عن نفسه وملائكته ، أنه جل ثناؤه قال هو وملائكته إذ أقر بنو آدم بربوبيته حين قال لهم ألست بربكم؟ فقالوا : "بلى" . [ ص: 250 ] فتأويل الكلام على هذا التأويل : " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " . فقال الله وملائكته : شهدنا عليكم بإقراركم بأن الله ربكم ، كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . وقد ذكرت الرواية عنه بذلك فيما مضى ، والخبر الآخر الذي روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك .

وقال آخرون : ذلك خبر من الله عن قيل بعض بني آدم لبعض ، حين أشهد الله بعضهم على بعض . وقالوا : معنى قوله : ( وأشهدهم على أنفسهم ) ، وأشهد بعضهم على بعض بإقرارهم بذلك ، وقد ذكرت الرواية بذلك أيضا عمن قاله قبل .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان صحيحا ، ولا أعلمه صحيحا; لأن الثقات الذين يعتمد على حفظهم وإتقانهم حدثوا بهذا الحديث عن الثوري ، فوقفوه على عبد الله بن عمرو ، ولم يرفعوه ، ولم يذكروا في الحديث هذا الحرف الذي ذكره أحمد بن أبي طيبة عنه . وإن لم يكن ذلك عنه صحيحا ، فالظاهر يدل على أنه خبر من الله عن قيل بني آدم بعضهم لبعض ، لأنه جل ثناؤه قال : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) ، فكأنه قيل : فقال الذين شهدوا على المقرين حين أقروا ، فقالوا : "بلى" : شهدنا عليكم بما أقررتم به على أنفسكم ، كيلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . [ ص: 251 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية