الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قل أأنبئكم بخير من ذلكم

                                                          الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يكلفه جل شأنه أن يوجه إليهم ذلك السؤال لينبههم إلى عظيم شأن ما ادخره لهم سبحانه من نعيم مقيم إن أحسنوا، فالاستفهام للتنبيه، وقد حوى من طرق التنبيه ثلاثة: أولها: التعبير بـ " أؤنبئكم " ؛ لأن الإنباء معناه: الخبر العظيم الخطير الشأن، وثانيها: التعبير بـ (ذلكم) بالإشارة للبعيد للدلالة على عظيم شأن ما سيخبرهم به، وبالتعبير بـ " كم " كأنه يدعوهم جميعا ليستمعوا إلى ما سيخبرهم به، وثالثها: التعبير بـ " خير " الدالة على الأفضلية، وأن نعيم الجنة خير لا شر فيه قط، وأن نعيم الدنيا لا يخلو من شر.

                                                          وبعد أن كان الاستفهام الذي سيق للتنبيه كان الجواب هو: للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله هذه متع الآخرة، وهي أعلى مقاما، وأعظم مكانا من نعيم الدنيا، وهي أربعة:

                                                          أولها: " جنات تجري من تحتها الأنهار " ، وفي هذه الجنات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

                                                          وثانيها: الخلود، وهو نعمة وحده، فكل ما في الدنيا عرض زائل يعروه الفناء، وما في الآخرة دائم البقاء.

                                                          وثالثها: وأزواج مطهرة " لا دنس فيها، ولا ما يشينهن أو يوجد الريب، فلا معكر من شر أو ما يشبهه.

                                                          ورابعها: وهو أعظمها بل أعظم ما في الوجود، وهو " ورضوان من الله " أي: رضا عظيم من خالق الخلق، ومبدع الكون ومنشئ الوجود، فالرضوان مصدر [ ص: 1141 ] كالرضا، ولكن يزيد عليه أنه الرضا العظيم؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولأن التنكير قصد به التفخيم والتعظيم، ولأن إبهامه ثم بيان مصدره فيه إشارة إلى شرف هذا الرضا بإضافة لأعظم نسبة إذ هو منسوب إلى الله جل جلاله.

                                                          " والله بصير بالعباد " أي أن الله سبحانه جل جلاله عليم بأحوال العباد علم من يبصر ويرى، فهو يعلم دقائق أحوالهم وخفي أمورهم، وخلجات قلوبهم. وصدر سبحانه القول بلفظ الجلالة لتربية المهابة في القلوب، وإشعارها بعظمته. وإذا كان الله سبحانه وتعالى عليما بخفي أحوالهم، فإنه سيجزي المحسن إحسانا والمسيء عقابا؛ فهذه الجملة السامية فيها وعد ووعيد، وفيها إشعار برقابة العلي القدير، مما يجعل المؤمن التقي يشعر دائما بأن الله يراه، وإن لم يكن هو يراه، ويتحقق قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية