الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      الفصل الأول : في حد الزنا الزنا هو تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره في أحد الفرجين من قبل أو دبر ممن لا عصمة بينهما ولا شبهة ، وجعل أبو حنيفة الزنا مختصا بالقبل دون الدبر ويستوي في حد الزنا حكم الزاني والزانية ، ولكل واحد منهما حالتان : بكر ومحصن .

                                      أما البكر فهو الذي لم يطأ زوجة بنكاح ، فيحد إن كان حرا مائة سوط تفرق في جميع بدنه إلا الوجه والمقاتل ليأخذ كل عضو حقه ، بسوط لا حديد فيقتل ، ولا خلق فلا يؤلم ، واختلف الفقهاء في تغريبه مع الجلد ، فمنع منه أبو حنيفة اقتصارا على جلده .

                                      وقال مالك يغرب الرجل ولا تغرب المرأة ، وأوجب الشافعي تغريبها عاما عن بلدها إلى مسافة أقلها يوم وليلة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : { خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام [ ص: 279 ] والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } وحد الكافر والمسلم سواء عند الشافعي في الجلد والتغريب .

                                      وأما العبد ، ومن جرى عليه حكم الرق من المدبر والمكاتب وأم الولد فحدهم في الزنا خمسون جلدة على النصف من الحر لنقصهم بالرق .

                                      واختلف في تغريب من رق منهم فقيل : لا يغرب لما في التغريب من الإضرار بسيده ، وهو قول مالك ، وقيل يغرب عاما كاملا كالحر ، وظاهر مذهب الشافعي أن يغرب نصف عام كالجلد في تنصيفه ، وأما المحصن فهو الذي أصاب زوجته بنكاح صحيح ، وحده الرجم بالأحجار ، أو ما قام مقامها حتى يموت ولا يلزم توقي مقاتله ، بخلاف الجلد ; لأن المقصود بالرجم القتل ، ولا يجلد مع الرجم .

                                      وقال داود : يجلد مائة سوط ثم يرجم ، والجلد منسوخ في المحصن { وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا ولم يجلده } .

                                      وليس الإسلام شرطا في الإحصان ، فيرجم الكافر كالمسلم .

                                      وقال أبو حنيفة : الإسلام شرط في الإحصان ، فإذا زنى الكافر جلد ، ولم يرجم { وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين زنيا } ولا يرجم إلا محصنا ، فأما الحرية فهي من شروط الإحصان فإذا زنى العبد لم يرجم ، وإن كان ذا زوجة جلد خمسين ، وقال داود : يرجم كالحر .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية