الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة [ ص: 59 ] كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب ) .

( الأهلة ) ، جمع هلال ، وهو مقيس في فعال المضعف ، نحو : عنان وأعنة ، وشذ فيه فعل قالوا : عنن في عنان ، وحجج في حجاج .

والهلال ، ذكر صاحب كتاب ( شجر الدر ) في اللغة : أنه مشترك بين هلال السماء ، وحديدة كالهلال بيد الصائد يعرقب بها الحمار الوحشي ، وذؤابة النعل ، وقطعة من الغبار ، وما أطاق من اللحم بظفر الأصبع ، وقطعة من رحى ، وسلخ الحية ، ومقاولة الأجير على الشهور ، والمباراة في رقة النسج ، والمباراة في التهليل . وجمع هلة وهي المفرجة ، والثعبان ، وبقية الماء في الحوض ، انتهى ما ذكره ملخصا . ويسمى الذي في السماء هلالا لليلتين ، وقيل : لثلاث . وقال أبو الهيثم : لليلتين من أوله وليلتين من آخره ، وما بين ذلك يسمى قمرا . وقال الأصمعي : سمي هلالا إلى أن يحجر ، وتحجيره أن يستدير له كالخيط الرقيق ، وقيل : يسمى بذلك إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل ، وذلك إنما يكون في سبع . قالوا : وسمي هلالا لارتفاع الأصوات عند رؤيته من قولهم : استهل الصبي ، والإهلال بالحج ، وهو رفع الصوت بالتلبية ، أو من رفع الصوت بالتهليل عند رؤيته . وقد يطلق الهلال على الشهر ، كما يطلق الشهر على الهلال ، ويقال : أهل الهلال ، واستهل وأهللناه واستهللناه ، هذا قول عامة أهل اللغة . وقال شمر : يقال استهل الهلال أيضا يعني مبنيا للفاعل وهو الهلال ، وشهر مستهل : وأنشد :


وشهر مستهل بعد شهر وحول بعده حول جديد



ويقال أيضا : استهل بمعنى تبين ، ولا يقال أهل ، ويقال أهللنا عن ليلة كذا ، وقال أبو نصر عبد الرحيم القشيري في تفسيره : يقال أهل الهلال واستهل ، وأهللنا الهلال واستهللناه ، انتهى .

وقد تقدم لنا الكلام في مادة هلل ، ولكن أعدنا ذلك بخصوصية لفظ الهلال بالأشياء التي ذكرناها هنا .

( مواقيت ) ، جمع ميقات بمعنى الوقت كالميعاد بمعنى الوعد ، وقال بعضهم : الميقات منتهى الوقت ، قال تعالى : ( فتم ميقات ربه أربعين ليلة ) .

ثقف الشيء : إذا ظفر به ووجده على جهة الأخذ والغلبة ، ومنه : رجل ثقف سريع الأخذ لأقرانه ، ومنه : فإما تثقفنهم في الحرب ، وقول الشاعر :


فإما تثقفوني فاقتلوني     فمن أثقف فليس إلى خلود



وقال ابن عطية : ( ثقفتموهم ) أحكمتم غلبتهم ، يقال : رجل ثقف لقف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور ، انتهى . ويقال : ثقف الشيء ثقافة إذا حذقه ، ومنه أخذت الثقافة بالسيف ، والثقاف أيضا حديدة تكون للقواس والرماح يقوم بها المعوج ، وثقف الشيء : لزمه ، وهو ثقف إذا كان سريع العلم ، وثقفته : قومته ، ومنه الرماح المثقفة ، أي : المقومة ، وقال الشاعر :


ذكرتك والخطي يخطر بيننا     وقد نهلت منا المثقفة السمر



يعني الرماح المقومة .

( التهلكة ) . على وزن تفعلة ، مصدر لهلك ، وتفعلة مصدر قليل ، حكى سيبويه منه : التضرة والتسرة ، ومثله من الأعيان التنصبة ، والتنفلة ، يقال : هلك هلكا وهلاكا وتهلكة وهلكاء على وزن فعلاء ، ومفعل من هلك ، جاء بالضم والفتح والكسر ، وكذلك بالتاء ، هو مثلث حركات العين ، والضم في مهلك نادر ، والهلاك في ذي الروح : الموت ، وفي غيره : الفناء والنفاد . وكون التهلكة مصدرا حكاه أبو علي عن أبي عبيدة ، وقاله غيره من النحويين . قال الزمخشري : ويجوز أن يقال أصلها التهلكة كالتجربة والتبصرة ونحوهما ، على أنها مصدر من هلك ، يعني المشدد اللام ، فأبدلت من الكسرة ضمة ، كما جاء الجوار في الجوار ، انتهى كلامه . وما ذهب إليه ليس بجيد : لأن فيها حملا على شاذ ، ودعوى إبدال لا دليل عليه ، أما الحمل على الشاذ ، فحمله على أن أصل تفعلة ذات الضم ، على تفعلة [ ص: 60 ] ذات الكسر ، وجعل تهلكة مصدرا لهلك المشدد اللام ، وفعل الصحيح اللام غير المهموز قياس مصدره أن يأتي على تفعيل ، نحو : كسر تكسيرا ، ولا يأتي على تفعلة إلا شاذا ، فالأولى جعل تهلكة مصدرا ، إذ قد جاء ذلك نحو : التضرة . وأما تهلكة فالأحسن أيضا أن يكون مصدرا لهلك المخفف اللام : لأنه بمعنى تهلكة بضم اللام ، وقد جاء في مصادر فعل : تفعلة ، قالوا : جل الرجل تجلة ، أي جلالا ، فلا يكون تهلكة إذ ذاك مصدرا لهلك المشدد اللام ، وأما إبدال الضمة من الكسرة لغير علة ففي غاية الشذوذ ، وأما تمثيله بالجوار والجوار فلا يدعى فيه الإبدال ، بل يبنى المصدر فيه على فعال بضم الفاء شذوذا .

وزعم ثعلب أن التهلكة مصدر لا نظير له ، إذ ليس في المصادر غيره ، وليس قوله بصحيح ، إذ قد حكينا عن سيبويه أنه حكى التضرة والتسرة مصدرين . وقيل : التهلكة ما أمكن التحرز منه ، والهلاك ما لا يمكن التحرز منه ، وقيل التهلكة : الشيء المهلك ، والهلاك حدوث التلف ، وقيل : التهلكة كل ما تصير غايته إلى الهلاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية