الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 175 ] من ليس للإمام أن يغزو به بحال .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم { وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق فشهدها معه عدد فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل في غزاة تبوك أو منصرفه عنها ، ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأظهر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين ; لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } قرأ الربيع إلى الخالفين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه ، ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له ، ولا يرضخ ; لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم .

( قال ) ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبدا ، وإذا حرم الله عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم لو شهدوا القتال ، ولا رضخ ، ولا شيء ; لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عز وجل من هؤلاء أو بعضه ، ولم يكن يحمد حاله أو ظن ذلك به ، وهو ممن لا يطاع ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين وصف الله عز وجل بشيء من أحكام الإسلام إلا ما منعه الله عز وجل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على أحكام الإسلام بعد الآية ، وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عز وجل من ضررهم وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يصلي عليهم بخلاف صلاته صلاة غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية