الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن الولد للفراش دون الزاني 2919 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الولد للفراش وللعاهر الحجر } رواه الجماعة إلا أبا داود .

                                                                                                                                            وفي لفظ للبخاري : " لصاحب الفراش " ) .

                                                                                                                                            2920 - ( وعن عائشة قالت { : اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال سعد : يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه [ ص: 331 ] ابنه انظر إلى شبهه ; وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي ; فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه ، فرأى شبها بينا بعتبة ، فقال : هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة ، قال : فلم ير سودة قط } . رواه الجماعة إلا الترمذي .

                                                                                                                                            وفي رواية أبي داود ورواية للبخاري : " هو أخوك يا عبد " )

                                                                                                                                            2921 - ( وعن ابن عمر أن عمر قال { : ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعتزلونهن ، لا يأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها ، فاعزلوا بعد ذلك . أو اتركوا } . رواه الشافعي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث { الولد للفراش } مروي من طريق بضعة وعشرين نفسا من الصحابة كما أشار إليه الحافظ . قوله : ( الولد للفراش ) اختلف في معنى الفراش ، فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة . وقد يعبر به عن حالة الافتراش . وقيل : إنه اسم للزوج ، روي ذلك عن أبي حنيفة . وأنشد ابن الأعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جريج .

                                                                                                                                            باتت تعانقه وبات فراشها

                                                                                                                                            وفي القاموس : إن الفراش : زوجة الرجل ، قيل : ومنه فرش مرفوعة . والجارية يفترشها الرجل انتهى . قوله : ( وللعاهر الحجر ) العاهر : الزاني ، يقال عهر : أي زنى ، قيل : ويختص ذلك بالليل . قال في القاموس : عهر المرأة كمنع عهرا ويكسر ويحرك ، وعهارة بالفتح وعهورة ، وعاهرها عهارا : أتاها ليلا للفجور أو نهارا انتهى . ومعنى له الحجر : الخيبة ، أي لا شيء له في الولد ، والعرب تقول : له الحجر وبفيه التراب ، يريدون ليس له إلا الخيبة

                                                                                                                                            وقيل : المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى ، ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان بل المحصن فقط . وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش ، وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد ، وإلى ذلك ذهب الجمهور .

                                                                                                                                            وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد ، واستدل له بأن مجرد المظنة كافية ، ورد بمنع حصولها بمجرد العقد بل لا بد من إمكان الوطء ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش جمود ظاهر ، فإنه قد حكى ابن القيم عن أبي حنيفة أنه يقول : بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير به الزوجة فراشا ، وهذا يدل على أنه لا يلاحظ المظنة أصلا ويؤيد ذلك أنه روي عنه في الغيث أنه يقول بثبوت الفراش ولحوق الولد . وإن علم أنه ما وطئ بأن يكون بينه وبين الزوجة [ ص: 332 ] مسافة طويلة لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل

                                                                                                                                            وذهب ابن تيمية إلى أنه لا بد من معرفة الدخول المحقق ، وذكر أنه أشار إليه أحمد ورجحه ابن القيم وقال : وهل يعد أهل اللغة والعرف المرأة فراشا قبل البناء بها ؟ كيف تأتي الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك ؟ وهذا الإمكان قد قطع بانتفائه عادة ، فلا تصير المرأة فراشا إلا بدخول محقق انتهى . وأجيب بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة ، فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها . واعتبار مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط ، ولا بد في ثبوت نسب الولد أن تأتي المرأة به بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت إمكان الوطء عند الجمهور أو العقد عند أبي حنيفة أو معرفة الوطء المحقق عند ابن تيمية وهذا مجمع عليه ، فلو وجدت قبل مضيها حصل القطع بأن الولد من قبل فلا يلحق . وظاهر الحديث أيضا أن فراش الأمة كفراش الحرة لأنه يدخل تحت عموم الفراش . وحديث عائشة المذكور نص في ذلك ، فإن النزاع بين عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص في ابن وليدة زمعة

                                                                                                                                            وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يعتبر في ثبوت فراش الأمة الدعوة .

                                                                                                                                            وروي عن أبي حنيفة والثوري وهو مذهب الهادوية أن الأمة لا يثبت فراشها إلا بدعوة الولد ، ولا يكفي الإقرار بالوطء فإن لم يدعه كان ملكا له . وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم ألحق ولد زمعة به ولم يستفصل هل ادعاه زمعة أم لا ؟ بل جعل العلة في الإلحاق أنه صاحب الفراش . وأما قولهم : إنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له . وإنما جعله مملوكا له كما في قوله : " هو لك يا عبد بن زمعة " واللام للتمليك . ويؤيد ذلك ما في آخر الحديث من أمره صلى الله عليه وسلم لسودة بالاحتجاب منه ، ولو كان أخا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه ، وما وقع في رواية : " احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك " فقد أجيب عنه بأن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم " هو لك " للاختصاص لا التمليك

                                                                                                                                            ويؤيد ذلك ما في الرواية الأخرى المذكورة بلفظ " هو أخوك يا عبد " وبأن أمره لسودة بالاحتجاب على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين لما رآه من الشبه بعتبة بن أبي وقاص كما في حديث " كيف وقد قيل " قال ابن القيم بعد ذكر هذا الجواب : أو يكون مراعاة للشيئين وإعمالا للدليلين ، فإن الفراش دليل لحوق النسب ، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه ، فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي ، وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة ، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه ، انتهى . وأما الرواية التي فيها " احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك " فقد طعن البيهقي في إسنادها . وقال فيها جرير : وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ ، وفيها يوسف مولى آل الزبير وهو غير معروف . قوله : ( اختصم سعد وعبد بن زمعة [ ص: 333 ] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لم يذكر ما وقع فيه الاختصام ، ولعل هذا اللفظ أحد الألفاظ التي روي بها هذا الحديث ، وفي بقية الألفاظ في الصحيحين وغيرهما التصريح بأن الاختصام وقع في غلام

                                                                                                                                            قوله : ( وقال عبد بن زمعة . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يجوز لغير الأب أن يستلحق الولد مثل استلحاق عبد بن زمعة للأخ ، وكذلك للوصي الاستلحاق ; لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر سعد الدعوى المذكورة . وقد أجمع العلماء أن للأب أن يستلحق ، واختلفوا في الجد . قوله : ( فرأى شبها بينا بعتبة ) سيأتي الكلام على العمل بالشبه والقافة قريبا . قوله : ( يعترف سيدها أن قد ألم بها ) فيه تقوية لمذهب الجمهور من أنه لا يشترط في فراش الأمة الدعوة ، بل يكفي مجرد ثبوت الفراش .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية