الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويحرم صيد المدينة ، نقله الجماعة ، وشجرها وحشيشها ، لخبر علي إن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا } وفي لفظ [ آخر ] { حرم من عير إلى كذا } رواهما البخاري .

                                                                                                          ولمسلم . { حرم ما بين عير إلى ثور } .

                                                                                                          وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { المدينة حرم من كذا إلى كذا ، لا يقطع شجرها } رواه البخاري ومسلم ، ولفظه { لا يختلى خلاها ، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } ولهما عنه مرفوعا { اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة } وعن أبي هريرة { أنه كان يقول : لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام } رواه البخاري ومسلم وزاد { : وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى }

                                                                                                          [ ص: 486 ] وعن عبد الله بن زيد بن عاصم { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة } متفق عليه ، وعن سعد مرفوعا { إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها } رواه مسلم ورواه عن جابر مرفوعا ، وعن رافع بن خديج مرفوعا : { تحريم ما بين لابتيها } ، وعن أبي سعيد مرفوعا : { تحريم ما بين مأزميها ، ألا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف } . وعنه أيضا مرفوعا { إني حرمت ما بين لابتي المدينة كما حرم إبراهيم مكة وكان أبو سعيد يجد أحدنا في يده الطير فيفكه من يده ثم يرسله } ، وله أيضا عن سهل بن حنيف مرفوعا : { إنها حرم آمن } .

                                                                                                          وعن علي مرفوعا { لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها ، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ، ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره } إسناده جيد ، رواه أحمد وأبو داود . وعن عدي بن زيد قال { : حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بريدا في بريد لا يخبط شجره ولا يعضد ، إلا ما يساق به الجمل } . فيه سليمان بن كنانة ، روى عنه غير واحد . ولم أجد فيه كلاما ، رواه أبو داود وفي تحريمها أخبار سوى ذلك [ ثم ] قالوا : لم يبينه بيانا عاما ،

                                                                                                          [ ص: 487 ] رد لا يعتبر . ثم بين ونقل عاما أو نقل خاصا ، كحجته عليه السلام ، ورجمه لماعز ، وصفة أذان وإقامة . قالوا { وإذا حللتم فاصطادوا } قلنا : مما حرمه الإحرام . ثم محمول على غير المدينة ، كغير مكة ، قال القاضي : تحريم صيد المدينة يدل على أنه لا تصح ذكاته ، وإن قلنا : يصح ، فلعدم تأثير هذه الحرمة في زوال ملك الصيد ، نص عليه ، ثم ذكر في الصحة احتمالين ( م 7 ) ويجوز الأخذ من شجرها وحشيشها ( المدينة ) لحاجة المساند والحرث والرحل والعلف ونحو ذلك ، لما سبق ; ولأن ذلك بقربها ، فالمنع منه ضرر ، بخلافمكة . ومن أدخلها صيدا ( المدينة ) فله إمساكه وذبحه ، نص عليه لقول أنس : { كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال : أحسبه قال كان فطيما وكان إذا جاء قال يا أبا عمير ، ما فعل النغير نغير كان يلعب به . } متفق عليه . وفي المستوعب وغيره : حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق إلا في هذه المسألة والتي قبلها ولا جزاء فيما حرم من ذلك ، قال في رواية بكر بن محمد : لم يبلغنا

                                                                                                          [ ص: 488 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من أصحابه حكموا فيه بجزاء ، واختاره غير واحد ( و هـ م ش ) وأكثر العلماء ; لأنه يجوز دخوله بلا إحرام ، أو لا يصلح لأداء النسك أو لذبح الهدايا كسائر المواضع ، ولا يلزم من الحرمة الضمان ، ولا من عدمها عدمه ، ونقل الأثرم والميموني وحنبل : فيه الجزاء ، سلبه لمن وجده ، وهو المنصور عند أصحابنا في كتب الخلاف لما سبق من تحريمها كمكة وعن عامر بن سعد { أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه ، فسلبه ، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم ، فقال : معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبى أن يرد عليهم } رواه مسلم ، وعن سليمان بن أبي عبد الله قال { : رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة فسلبه ثيابه ، فجاء مواليه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم وقال من رأيتموه يصيد فيه شيئا فله سلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها ، ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمنه } . رواه أحمد وأبو داود وقال { من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه } قال البخاري : سليمان أدرك المهاجرين ، سمعه يعلى بن حكيم ، ووثقه ابن حبان ، وتفرد عنه يعلى .

                                                                                                          وقال أبو حاتم : ليس بمشهور فيعتبر بحديثه ; ولأنه يحرم لحرمة ذلك كحرم مكة والإحرام ، وسلبه : ثيابه ، قال جماعة : والسراويل ، قال في الفصول

                                                                                                          [ ص: 489 ] وغيره : وزينة ، كمنطقة وسوار وخاتم وجبة قال : وينبغي أن منه آلة الاصطياد ; لأنها آلة الفعل المحظور ، كما قلنا في سلب المقتول ، قال غيره : وليست الدابة منه ، وأخذها قاتل الكافر لئلا يستعين بها على الحرب ، فإن لم يسلبه أحد تاب فقط ، وللشافعي قول قديم : فيه الجزاء ، وهل هو ما قلنا أو يتصدق به لمساكين المدينة ؟ فيه قولان

                                                                                                          [ ص: 487 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 487 ] ( مسألة 7 ) قوله : قال القاضي : تحريم صيد المدينة يدل على أنه لا تصح ذكاته ، وإن قلنا تصح فلعدم تأثير هذه الحرمة في زوال [ ملك ] الصيد ، نص عليه ، ثم ذكر في الصحة احتمالين ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : الصواب صحة التذكية ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وظاهر كلام جماعة المنع . قال في المستوعب والتلخيص وغيرهما : حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق إلا في مسألة من أدخل صيدا أو أخذ ما تدعو الحاجة إليه من الشجر والحشيش .




                                                                                                          الخدمات العلمية