الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب البغاة

                                                                                                        ( وإذا تغلب قوم من المسلمين على بلد وخرجوا من طاعة الإمام دعاهم إلى العود إلى الجماعة وكشف عن شبهتهم ) لأن عليا رضي الله عنه فعل كذلك بأهل حروراء قبل قتالهم ولأنه أهون الأمرين ولعل الشر يندفع به فيبدأ به . .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب البغاة قوله : وكشف الإمام عن شبهتهم ، لأن عليا فعل كذلك بأهل حروراء ; قلت : رواه [ ص: 358 ] النسائي في " سننه الكبرى في خصائص علي " فقال : أخبرنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار ، وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة ، لعلي أكلم هؤلاء القوم ، قال : إني أخافهم عليك ، قلت : كلا ، فلبست ثيابي ، ومضيت حتى دخلت عليهم في دار ، وهم مجتمعون فيها ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون ، وأبلغهم ما تقولون ، فانتحى لي نفر منهم ، قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن عمه ، وختنه ، وأول من آمن به ، قالوا : ثلاث ، قلت ما هي ؟ قالوا : إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله ، وقد قال الله تعالى : { إن الحكم إلا لله } ، قلت : هذه واحدة ، قالوا : وأما الثانية : فإنه قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، فإن كانوا كفارا لقد حلت لنا نساؤهم ، وأموالهم ، وإن كانوا مؤمنين لقد حرمت علينا دماؤهم ، قلت : هذه أخرى ، قالوا : وأما الثالثة : فإنه محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين ، قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ، وحدثتكم من سنة نبيه ما يرد قولكم هذا ، ترجعون ؟ قالوا : اللهم نعم ، قلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فأنا أقرأ عليكم أن قد صير الله [ ص: 359 ] حكمه إلى الرجال في أرنب ثمنها ربع درهم ، قال تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ، إلى قوله : { يحكم به ذوا عدل منكم }وقال في المرأة وزوجها : { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها }أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وإصلاح ذات بينهم أحق ، أم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟ فقالوا : اللهم بل في حقن دمائهم ، وإصلاح ذات بينهم ، قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم ، قلت : وأما قولكم : إنه قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، أتسبون أمكم عائشة ، فتستحلوا منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ، لئن فعلتم لقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمنا فقد كفرتم ، قال الله تعالى : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجه أمهاتهم } ، فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منهما بمخرج ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم ، قلت : وأما قولكم : محا نفسه من أمير المؤمنين ، فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينهم وبينه كتابا ، فقال : اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، فقال : والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، يا علي اكتب : محمد بن عبد الله } ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه ذلك محوا من النبوة ، أخرجت من هذه الأخرى ؟ قالوا : اللهم نعم ، فرجع منهم ألفان ، وبقي سائرهم ، فقتلوا على ضلالتهم ، قتلهم المهاجرون والأنصار

                                                                                                        انتهى . ورواه عبد الرزاق في " مصنفه في أواخر القصاص " حدثنا عكرمة بن عمار به ، وقال في آخره : فرجع منهم عشرون ألفا ، وبقي منهم أربعة آلاف ، فقتلوا على ضلالتهم ، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال فيه : وكانوا ستة آلاف ، فرجع منهم ألفان ، وبقي سائرهم ، قتلوا على الضلالة ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه . طريق آخر : رواه أحمد في " مسنده " حدثنا إسحاق بن عيسى الطباع حدثني يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القارئ ، قال : [ ص: 360 ] جاء عبد الله بن شداد ، فدخل على عائشة ، ونحن عندها جلوس ، مرجعه من العراق ، ليالي قوتل علي رضي الله عنه ، فقالت له : يا عبد الله هل أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ قال : وما لي لا أصدقك يا أم المؤمنين ، قالت : فحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ، قالت : فحدثني عن قصتهم ، قلت : إن عليا رضي الله عنه لما كاتب معاوية ، وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس ، فنزلوا بأرض يقال لها : حروراء من جانب للكوفة ، إلى أن قال : فبعث علي إليهم عبد الله بن عباس ، فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكواء ، فخطب ، فقال : يا حملة القرآن ، هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه ، فأنا أعرفه ، من كتاب الله ما نعرفه به ، هذا ممن نزل فيه وفي قومه { قوم خصمون }فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوه كتاب الله ، فقام خطباؤهم ، فقالوا : والله لنواضعنه كتاب الله ، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنه ، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله ، فواضعهم عبد الله بن عباس الكتاب ، وواضعوه ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف ، فيهم ابن الكواء ، حتى أدخلهم الكوفة على علي ، وبعث علي إلى بقيتهم ، فقال لهم : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ، أو تقطعوا سبيلا ، أو تظلموا ذمة ، فإنكم إن فعلتم نبذنا إليكم الحرب على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين ، مختصر ; ورواه الحاكم في " المستدرك " أيضا ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ، ومسلم ، ولم يخرجاه .




                                                                                                        الخدمات العلمية