الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الخامس في الشهادة على الشهادة

                                                                                                                                                                        هي مقبولة في غير العقوبات ، كالأموال والأنكحة والبيع ، وسائر العقود ، والفسوخ ، والطلاق ، والعتاق ، والرضاع ، والولادة ، وعيوب النساء سواء حق الآدمي ، وحق الله تعالى ، كالزكاة ووقف المساجد ، والجهات العامة .

                                                                                                                                                                        وأما العقوبات ، فالمذهب القبول في القصاص ، وحد القذف ، والمنع في حدود الله تعالى . قال ابن القاص : والإحصان كالحد . ولو شهد اثنان على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا ، قبلت بلا خلاف ، ذكره ابن الصباغ ؛ لأنه حق آدمي فإنه إسقاط حد عنه ، ثم في الباب أربعة أطراف :

                                                                                                                                                                        ( الأول ) في تحملها وإنما يجوز التحمل إذا علم أن عند الأصل شهادة جازمة بحق ثابت ، ولمعرفته أسباب ، أحدها أن يسترعيه الأصل ، فيقول : أنا شاهد بكذا ، وأشهدتك على شهادتي ، أو يقول : أشهدك أو اشهد على شهادتي بكذا ، أو يقول : إذا استشهدت على شهادتي ، فقد أذنت لك في أن تشهد ، أما إذا سمع إنسانا يقول : لفلان على فلان كذا ، أو اشهد أن لفلان على فلان كذا ، لا على صورة أداء الشهادة ، فلا يجوز أن يشهد على شهادته ؛ لأن الناس قد يتساهلون في إطلاق ذلك [ ص: 290 ] على عدة ونحوها ، وكذا لو قال : عندي شهادة بكذا فلو قال : عندي شهادة مجزومة أو شهادة أثبتها أو لا أتمارى فيها وما أشبه ذلك ، فوجهان ، أصحهما وأوفقهما لإطلاق الأكثرين : المنع أيضا . ويشترط تعرض الأصل للفظ الشهادة ، فلو قال : أعلم ، أو أخبر ، أو أستيقن ، لم يكف كما لو أتى الشاهد عند إقامة الشهادة بهذه الألفاظ ، فإن القاضي لا يحكم بها ، قال الإمام : وأبعد بعض الأصحاب ، فأقام اللفظ الذي لا تردد فيه مقام لفظ الشهادة ، ولا يشترط أن يقول في الاسترعاء : أشهدك على شهادتي ، وعن شهادتي ، لكنه أتم ، فقوله : أشهدك على شهادتي تحميل ، وقوله : عن شهادتي إذن في الأداء كأنه قال : أدها عني ، ولإذنه أثر ، ولهذا لو قال بعد التحمل : لا تؤد عني امتنع عليه الأداء ، وقيل : يشترط ذلك في الاسترعاء ، حكاه ابن الصباغ ، وإذا حصل الاسترعاء ، لم يختص التحمل بمن استرعاه .

                                                                                                                                                                        السبب الثاني : أن يسمعه يشهد عند القاضي أن لفلان على فلان كذا ، فله أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه ؛ لأنه لا يتصدى لإقامة الشهادة عند القاضي إلا تحقق الوجوب ، وللقاضي أيضا أن يشهد على شهادته عند قاض آخر ، والشهادة عند المحكم كالشهادة عند القاضي سواء جوزنا التحكيم أم لا ، وقال الإصطخري : إنما تجوز إذا جوزناه ، والصحيح الأول ؛ لأنه لا يشهد عند المحكم إلا وهو جازم بثبوت المشهود به .

                                                                                                                                                                        [ ص: 291 ] السبب الثالث : أن يبين سبب الوجوب ، فيقول : أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع ، أو قرض ، أو أرش جناية ، فتجوز الشهادة على شهادته ، وإن لم يشهد عند القاضي ، ولم يؤخذ منه استرعاء ؛ لأن الإسناد إلى السبب يقطع احتمال الوعد والتساهل ، هذا ما يوجد لعامة الأصحاب ، ونقل الشيخ أبو حاتم القزويني وجها أن الإسناد إلى السبب لا يكفي للتحمل ، ووجها أن الشهادة عند القاضي لا تكفي أيضا ، بل يشترط الاسترعاء ، والصحيح ما سبق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا قال : علي لفلان ألف ، فوجهان ، قال أبو إسحاق : لا يجوز أن يشهد عليه بهذا القدر ، بل يشترط مع ذلك قرينة تشعر بالوجوب بأن يسنده إلى سبب ، فيقول : من ثمن مبيع ، أو يسترعيه ، فيقول : فاشهد علي به ، والثاني وهو الصحيح : أن مجرد الإقرار كاف للتحمل بخلاف الشهادة على الشهادة ؛ لأن الشهادة يعتبر فيها ما لا يعتبر في الإقرار ، ولهذا يقبل إقرار الفاسق والمغفل والمجهول دون شهادتهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية