الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحافظ عبد القادر الرهاوي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن ، [ ص: 47 ] أبو محمد ، الحافظ الكبير المحدث المخرج المفيد المحرر المتقن البارع المصنف المفيد ، كان مولى لبعض المواصلة ، وقيل لبعض الحرانيين اشتغل بدار الحديث بالموصل ثم انتقل إلى حران وقد رحل إلى بلدان شتى ، وسمع الكثير من المشايخ شرقا وغربا ، وأقام بحران إلى أن توفي بها في هذه السنة ، وكان مولده في سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، كان دينا صالحا خيرا ، رحمه الله تعالى بمنه وكرمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الوجيه الأعمى ، أبو بكر المبارك بن سعيد بن الدهان النحوي الواسطي الملقب بالوجيه ، ولد بواسط ، وقدم بغداد ، فاشتغل بعلم العربية والنحو ، فأتقن ذلك ، وحفظ شيئا كثيرا من أشعار العرب ، وسمع الحديث ، وكان حنبليا ، فانتقل إلى مذهب أبي حنيفة ، ثم صار شافعيا ، وولي تدريس النحو بالنظامية ، وفيه يقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فمن مبلغا عني الوجيه رسالة وإن كان لا تجدي لديه الرسائل     تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك لما أعوزتك المآكل     وما اخترت رأي الشافعي تدينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكنما تهوى الذي هو حاصل      [ ص: 48 ] وعما قليل أنت لا شك صائر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى مال فافطن لما أنا قائل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكرناه في سنة تسع وتسعين وخمسمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يحفظ شيئا كثيرا من الحكايات والأمثال والملح ، ويعرف العربية والتركية والعجمية والرومية والحبشية والزنجية ، وكانت له يد طولى في نظم الشعر ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولو وقعت في لجة البحر قطرة     من المزن يوما ثم شاء لمازها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولو ملك الدنيا فأضحى ملوكها     عبيدا له في الشرق والغرب ما زها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله في التجنيس أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أطلت ملامي في اجتنابي لمعشر     طغام لئام جودهم غير مرتجى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ترى بابهم لا بارك الله فيهم     على طالب المعروف إن جاء مرتجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حموا ما لهم والدين والعرض منهم     مباح فما يخشون من هجو من هجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا شرع الأجواد في الجود منهجا     لهم شرعوا في البخل سبعين منهجا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله مدائح حسنة وأشعار رائقة ، ويبتكر معاني فائقة ، وربما عارض شعر [ ص: 49 ] البحتري بما يقاربه ويدانيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : وكان الوجيه لا يغضب قط . فتراهن جماعة مع واحد أنه كان له كذا وكذا إن أغضبه ، فجاء إليه فسأله عن مسألة في العربية ، فأجابه فيها ، فقال له السائل : أخطأت أيها الشيخ . فأعاد عليه الجواب بعبارة أخرى ، فقال له : أخطأت أيضا . وأعاد ثالثة بعبارة أخرى ، فقال له : كذبت ، ولعلك قد نسيت النحو . فقال له الوجيه : أيها الرجل ، فلعلك لم تفهم ما أقول لك . فقال : بلى ، ولكنك تخطئ . فقال له : فقل ما عندك لنستفيده منك . فأغلظ له السائل في القول ، فتبسم ضاحكا ، وقال له الوجيه : إن كنت راهنت فقد غلبت ، إنما مثلك في هذا كمثل البقة - يعني الناموسة - سقطت على ظهر الفيل ، فلما أرادت أن تطير قالت له : استمسك ، فإني أريد أن أطير . فقال لها الفيل : ما أحسست بك حين وقعت علي ، فما أحتاج أن أستمسك إذا طرت . كانت وفاته رحمه الله في شعبان ، ودفن بالوردية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التاجر المعروف بابن الجلاجلي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان يسكن بدار الخلافة ببغداد ، قرأ القرآن على الروايات ، وسمع الحديث الكثير ، ورحل إلى البلدان المتباينة ، بلغ ثلاثا وستين سنة ، وكانت وفاته رحمه الله بالقدس الشريف في رمضان . رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 50 ] أبو محمد عبد العزيز بن أبي المعالي بن غنيمة بن الحسن

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المعروف بابن منينا ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة ، وسمع الكثير وأسمعه ، وكانت وفاته في ذي الحجة عن سبع وتسعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الفقيه كمال الدين مودود بن الشاغوري الشافعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان يقرئ بالجامع الأموي الفقه ، ويشرح " التنبيه " للطلبة ، ويتأنى في تفهيمهم حتى يفهموا احتسابا ، تجاه المقصورة . ودفن بمقابر باب الصغير شمالي قبور الشهداء ، وعلى قبره شعر ذكره أبو شامة . والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية