الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        [ ص: 31 ] ( 2 ) باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك

                                                                                                                        1123 - مالك ; أنه بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق : أن رجلا قال لامرأته : حبلك على غاربك . فكتب عمر بن الخطاب إلى [ ص: 32 ] عامله : أن مره يوافيني بمكة في الموسم . فبينما عمر يطوف بالبيت ، إذ لقيه الرجل فسلم عليه ، فقال عمر : من أنت ؟ فقال : أنا الذي أمرت أن أجلب عليك . فقال له عمر : أسألك برب هذه البنية ، ما أردت بقولك : حبلك على غاربك ؟ فقال له الرجل : لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك . أردت بذلك الفراق . فقال عمر بن الخطاب : هو ما أردت .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        25124 - قال أبو عمر : روي هذا الخبر عن عمر من وجوه ، منها :

                                                                                                                        25125 - ما ذكره عبد الرزاق ، عن ليث ، عن مجاهد أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر بن الخطاب : حبلك على غاربك ، حبلك على غاربك ، حبلك على غاربك ، فاستحلفه عمر بين الركن والمقام ما أردت ؟ فقال : أردت الطلاق ثلاثا ، فأمضاه عليه .

                                                                                                                        25126 - قال : أخبرني الثوري ، عن عبد الملك بن أبي سليمان أن عمر أمر عليا أن يستحلفه على ما نوى .

                                                                                                                        25137 - قال : وأخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : إذا قال : حبلك على [ ص: 33 ] غاربك ، فهي واحدة ، أو ما نوى .

                                                                                                                        وإن نوى واحدة ، فهو أحق بها .

                                                                                                                        25128 - قال أبو عمر : أما خبر مالك ، عن عمر في هذا الباب ، فيدل على أنه إنما حلف الرجل : هل أراد الطلاق بقوله : حبلك على غاربك ، أم لم يرد ؟ لأنه قال : هو ما أردت .

                                                                                                                        25129 - وأما خبر مجاهد ، عن عمر ، فيحتمل هذا ، ويحتمل أنه لما كرر اللفظ سأله : هل أراد بالتكرار طلاقا ، أو أراد تأكيدا في الواحدة .

                                                                                                                        25130 - وقد روي عن عمر ، وعلي - رضي الله عنهما - أنهما قالا في " حبلك على غاربك " : يستحلف ؛ هل أراد طلاقا أم لا ؟ ونيته فيما أراد منه .

                                                                                                                        25131 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني ابن نمير ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، قال : أتي ابن مسعود في رجل ، قال لامرأته : حبلك على [ ص: 34 ] غاربك ، فكتب ابن مسعود إلى عمر ، فكتب إليه عمر : مره ، فليواف بالموسم ، فوافاه بالموسم ، فأرسل إلى علي ، فقال له علي : أنشدك بالله ما نويت ، قال : فراق امرأتي ، ففرق عمر بينهما .

                                                                                                                        25132 - هذا يخرج فيمن طلق وقال : أردت غير امرأتي .

                                                                                                                        25133 - واختلف قول مالك فيمن قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فمرة ، قال : ينوي ما أراد به من الطلاق ، ويلزم ما نوى من ذلك ، ومرة قال : لا ينوي أحد في حبلك على غاربك ; لأنه لا يقوله أحد ، وقد أبقى من الطلاق شيئا ، وهي ثلاث على كل حال .

                                                                                                                        25134 - ولم يختلف قوله إئه لا طلاق ، ولا يلتفت إلى نيته إن قال : لم أرد طلاقا .

                                                                                                                        25135 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم في حبلك على غاربك : إن لم يرد الطلاق لم يلزمه شيء ، وليس بشيء ، وإن أراد الطلاق ، فهو طلاق رجعي عند الشافعي ، لا غير .

                                                                                                                        25136 - وهو قول قتادة ، والحسن ، والشعبي وجماعة .

                                                                                                                        [ ص: 35 ] 25137 - وقال : أبو حنيفة : وإن أراد بقوله ذلك ثلاثا ، فهي ثلاث ، وإن أراد اثنتين ، فهي واحدة بائنة ، وإن أراد واحدة ، فهي بائنة ، وإن لم يرد طلاقا فليس شيء .

                                                                                                                        25138 - وكذلك قال أصحابهم إلا زفر ، فإنه قال : إن أراد اثنتين ، فهما اثنتان .

                                                                                                                        25139 - وقول الثوري كقول أبي حنيفة في ذلك ; لأنها كلمة واحدة .

                                                                                                                        25140 - وقال أبو عبيد ، وأبو ثور : هي واحدة ، يملك بها الرجعة .

                                                                                                                        25414 - زاد أبو عبيد : إلا أن يريد ثلاثا .

                                                                                                                        25142 - قال أبو عمر : تناقض الكوفيون في هذا الباب ; لأنهم يقولون : إن قال : أنت طالق ، وأراد ثلاثا ، فإنما هي واحدة ; لأنه لا يقع بالنية طلاق ، وقد أوقعوه ب " البتة " هنا .

                                                                                                                        25143 - وقال إسحاق بن راهويه : كل كلام يشبه الطلاق يراد به الطلاق ، فهو ما نوى من الطلاق .

                                                                                                                        25144 - وهو قول إبراهيم النخعي .

                                                                                                                        [ ص: 36 ] 25145 - وقال الشافعي : الطلاق ، والفراق ، والسراح لا يراعى في شيء من ذلك النية ; لقول الله تعالى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] وقوله - جل ثناؤه : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [ الطلاق : 2 ] .

                                                                                                                        25146 - قال : وأما الكنايات كلها المحتملة للطلاق وغيره ، فإن أراد الطلاق كان ما نوى من الطلاق ، وإن لم ينو شيئا حلف على ما فعل عمر - رضي الله عنه - ولم يلزمه شيء .




                                                                                                                        الخدمات العلمية