الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 281 ] الصنف الرابع في تخصيص العموم

          ويشتمل على مقدمة ومسألتين :

          أما المقدمة ففي بيان معنى التخصيص ، وما يجوز تخصيصه ، وما لا يجوز .

          أما التخصيص فقد قال أبو الحسين البصري : هو إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه ، وذلك مما لا يمكن حمله على ظاهره على كل مذهب .

          أما على مذهب أرباب الخصوص ؛ فلأن الخطاب عندهم منزل على أقل ما يحتمله اللفظ ، فلا يتصور إخراج شيء منه .

          وأما على مذهب أرباب الاشتراك فمن جهة أن العمل باللفظ المشترك في بعض محامله لا يكون إخراجا لبعض ما تناوله الخطاب عنه ، بل غايته استعمال اللفظ في بعض محامله دون البعض .

          وأما على مذهب أرباب الوقف فظاهر ، إذ اللفظ عندهم موقوف لا يعلم كونه للخصوص أو للعموم ، وهو صالح لاستعماله في كل واحد منهما .

          فإن قام الدليل على أنه أريد به العموم وجب حمله عليه وامتنع إخراج شيء منه .

          وإن قام الدليل على أنه للخصوص لم يكن اللفظ إذ ذاك دليلا على العموم ، ولا متناولا له فلا يتحقق بالحمل على الخاص إخراج بعض ما تناوله اللفظ على بعض محامله الصالح لها .

          وأما على مذهب أرباب العموم فغايته أن اللفظ عندهم حقيقة في الاستغراق ومجاز في الخصوص .

          وعلى هذا ، فإن لم يقم الدليل على مخالفة الحقيقة وجب إجراء اللفظ على جميع محامله من غير إخراج شيء منها .

          وإن قام الدليل على مخالفة الحقيقة وامتناع العمل باللفظ في الاستغراق ، وجب صرفه إلى محمله المجازي ، وهو الخصوص .

          وعند حمل اللفظ على المجاز لا يكون اللفظ متناولا للحقيقة ، وهي الاستغراق ، فلا تحقق لإخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه إذ هو حالة كونه مستعملا في المجاز لا يكون مستعملا في الحقيقة .

          وعلى هذا فإطلاق القول بتخصيص العام ، وأن هذا عام مخصص لا يكون حقيقة .

          [ ص: 282 ] وإذا عرف ذلك ، فالتخصيص على ما يناسب مذهب أرباب العموم هو تعريف أن المراد باللفظ الموضوع للعموم حقيقة ، إنما هو الخصوص وعلى ما يناسب مذهب أرباب الاشتراك تعريف أن المراد باللفظ الصالح للعموم والخصوص إنما هو الخصوص .

          والمعرف لذلك بأي طريق كان يسمى مخصصا ، واللفظ المصروف عن جهة العموم إلى الخصوص مخصصا [1] .

          وإذا عرف معنى تخصيص العموم فاعلم أن كل خطاب لا يتصور فيه معنى الشمول . كقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بردة : " تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك " فلا يتصور تخصيصه ؛ لأن التخصيص على ما عرف صرف اللفظ عن جهة العموم إلى جهة الخصوص ، وما لا عموم له لا يتصور فيه هذا الصرف .

          وأما ما يتصور فيه الشمول والعموم فيتصور فيه التخصيص ، وسواء كان خطابا أو لم يكن خطابا كالعلة الشاملة لإمكان صرفه عن جهة عمومه إلى جهة خصوصه .

          هذا إتمام المقدمة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية