الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( العلامة الثانية خروج الدجال وما يتعلق به )

وما أدراك ما الدجال منبع الكفر والضلال وينبوع الفتن والأوجال ، قد أنذرت به الأنبياء قومها وحذرت منه أممها ونعتته بالنعوت الظاهرة ووصفته بالأوصاف الباهرة وحذر منه المصطفى وأنذر ونعته لأمته نعوتا لا تخفى على ذي بصر .

وقد قيل إنه صافي بن الصياد أو صائد وأن مولده المدينة كما في الحديث الوارد ، وقيل بل هو الشيطان موثق في بعض الجزائر أو أنه من أولاد شق الكاهن أو هو شق نفسه وأن أمه كانت جنية عشقت أباه فأولدها إياه وكانت الشياطين تعمل له العجائب فحبسه سليمان بن داود عليهما السلام وهذا القول ليس بصائب ، وقال كعب الأحبار : الدجال تلده أمه بقوص من [ ص: 87 ] أرض مصر بين مولده وخروجه أربعون سنة . وفي الترمذي أنه يخرج من خراسان .

وفي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه مرفوعا " يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة " . وفي مستدرك الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا " يخرج الدجال من يهودية أصبهان ثم يخلق له عين ( ؟ - 1 ) والأخرى كأنها كوكب ممزوجة بدم ، يشوي في الشمس سمكا ويتناول الطير من الجو له ثلاث صيحات يسمعها أهل المشرق والمغرب " .

ومن حليته أنه شاب وفي رواية شيخ وسندهما صحيح جسيم أحمر وفي رواية أبيض أمهق وفي رواية آدم ، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : يمكن أن يكون أدمته صافية وقد يوصف ذلك بالحمرة لأن كثيرا من الأدم قد تحمر وجنتاه ، جعد الرأس قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية ، وفي رواية : أعور العين اليسرى ، وجاء في رواية أنه أعور العين مطموسة وليست جحراء . وهذا معنى طافئة مهموزة .

قال في فتح الباري نقلا عن القاضي عياض : الذي رويناه عن الأكثر وصححه الجمهور وجزم به الأخفش طافية بغير همز ، ومعناه أنها ناتئة نتوء العنبة ، قال وضبطه بعض الشيوخ بالهمزة وأنكره بعضهم ، قال ولا وجه لإنكاره ، ثم جمع القاضي بين الروايات بأن عينه اليمنى طافية بغير همزة ( ؟ - 2 ) وممسوحة أي ذهب ضوؤها وهو معنى حديث أبي داود مطموس العين ، ليست بناتئة ولا جحراء أي ليست بعالية ولا عميقة كما في الرواية الأخرى عنه وهي الجاحظة التي كأنها كوكب وكأنها نخاعة في الحائط وهي الخضراء كما جاء ذلك في الأحاديث ، قال وعلى هذا فهو أعور العينين معا فكل واحدة من عينيه عوراء وذلك أن العور العيب ، والأعور من كل شيء المعيب وكلتا عيني الدجال معيبة إحداهما بذهاب نورها والأخرى بنتوها وخضرتها . قال الإمام النووي وهذا في غاية الحسن . انتهى .

وقد ورد أن على عينيه ظفرة غليظة وهي لحمة تنبت عند المأق ، وقيل لحمة تخرج في العين في الجانب الذي على الأنف وهما متقاربان .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : وقد ورد في كلتا عينيه أن عليهما ظفرة ، وفي بعض الروايات عن أبي سعيد الخدري رضي الله [ ص: 88 ] عنه عند الإمام أحمد : جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دري .

وفي حديث أبي رضي الله عنه عند الإمام أحمد أيضا والطبراني : إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء ، قال والذي يتحصل من مجموع الأخبار أن الصواب في طافية بغير همزة ، وصرح في حديث عبد الله بن معقل وسمرة وأبي بكرة رضي الله عنهم بأن عينه اليسرى ممسوحة ، والطافية غير الممسوحة ، وأما الظفرة فجائز أن تكون في كل من عينيه لأنه لا ينافي الطمس ولا النتو ، أو تكون التي ذهب ضوؤها هي المطموسة يعني اليسرى والمعيبة مع بقاء حدقتها هي البارزة . انتهى .

ومن أوصاف الدجال أنه قصير أفحج كما في سنن أبي داود وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن المسيح الدجال قصير أفحج جعد أعور مطموس العين - أي متباعد ما بين الساقين وقيل هو التداني ما بين صدور القدمين مع تباعدهما ، وقيل هو الذي في رجليه اعوجاج - جفال الشعر - بضم الجيم وتخفيف الفاء أي كثيره - هجان - بكسر أوله وتخفيف الجيم - أبيض - أقمر - أي شديد البياض - ضخم فيلماني - بفتح الفاء وسكون التحتية أي عظيم الجثة .

قال ابن الأثير في نهايته في صفة الدجال : أقمر فيلم وفي رواية فيلمانيا الفيلم العظيم الجثة والفيلم الأمر العظيم والياء زائدة والفيلماني منسوب إليه بزيادة الألف والنون للمبالغة انتهى .

كأن رأسه أغصان شجرة - أي شعر رأسه كثير متفرق قائم ، وفي رواية أن رأسه من ورائه حبك أي شعر منكس من الجعود كالماء الساكن والرمل إذا هبت عليهما الريح ، قال في النهاية وهذا معنى ما مر أنه جعد قطط - مكتوب بين عينيه ك ف ر - حروفا مقطعة - يقرؤها كل مسلم كاتب وغير كاتب - ولا يقرؤها الكافر - لا يولد له ولا يدخل المدينة ولا مكة تتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة وسبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم التيجان وكلهم ذو سيف محلى .

ومن صفاته أيضا أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه وأبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار ، وأمه امرأة فرضاخية أي كثيرة اللحم طويلة الشفتين .

وقال في النهاية وفي حديث الدجال وأن أمه كانت فرضاخية أي ضخمة عظيمة الثديين يقال رجل فرضاخ وامرأة فرضاخة والتاء للمبالغة له . أي الدجال حمار [ ص: 89 ] وهو المشعر الغليظ يعني كثير الشعر - ما بين أذنيه أربعين ذراعا يضع خطوه عند منتهى طرفه . وقال أبو الطفيل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم : يخرج الدجال على حمار رجس . رواه ابن أبي شيبة .

وقال علي رضي الله عنه : يخرج الدجال ومعه سبعون ألفا من الحاكة - زعم بعضهم أن الحاكة اسم موضع - على مقدمته أشعر - أي رجل كثير الشعر - يقول بدو بدو . وهذا لفظ فارسي معناه أسرع أسرع .

وفي مسند أبي بكر بن أبي شيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال عريض المنخر فيه رفا أي انحناء .

وفي صحيح مسلم من حديث هشام بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال " وفي رواية أمر أكبر من الدجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية