الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويجب مهر المثل في نكاح فاسد ) وهو الذي فقد شرطا من شرائط الصحة كشهود [ ص: 132 ] ( بالوطء ) في القبل ( لا بغيره ) كالخلوة لحرمة وطئها ( ولم يزد ) مهر المثل ( على المسمى ) لرضاها بالحط ، ولو كان دون المسمى لزم مهر المثل لفساد التسمية بفساد العقد ، ولو لم يسم أو جهل لزم بالغا ما بلغ ( و ) يثبت ( لكل واحد منهما فسخه ولو بغير محضر عن صاحبه دخل بها أو لا ) [ ص: 133 ] في الأصح خروجا عن المعصية . فلا ينافي وجوبه بل يجب على القاضي التفريق بينهما ( وتجب العدة بعد الوطء ) لا الخلوة للطلاق لا للموت ( من وقت التفريق ) أو متاركة الزوج [ ص: 134 ] وإن لم تعلم المرأة بالمتاركة في الأصح

التالي السابق


مطلب في النكاح الفاسد

( قوله في نكاح فاسد ) وحكم الدخول في النكاح الموقوف كالدخول في الفاسد ، فيسقط الحد ويثبت النسب ويجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل ، خلافا لما في الاختيار من كتاب العدة ، وتمامه في البحر ، وسنذكر في العدة التوفيق بين ما في الاختيار وغيره ( قوله وهو الذي إلخ ) بخلاف ما لو شرط شرطا فاسدا كما لو تزوجته على أن لا يطأها فإنه يصح النكاح ويفسد الشرط رحمتي ( قوله كشهود ) ومثله تزوج الأختين معا ونكاح الأخت في عدة الأخت ونكاح المعتدة والخامسة في عدة الرابعة والأمة على الحرة . وفي المحيط : تزوج ذمي مسلمة فرق بينهما لأنه وقع فاسدا . ا هـ . فظاهره أنهما لا يحدان وأن النسب يثبت فيه والعدة إن دخل بحر . [ ص: 132 ]

قلت : لكن سيذكر الشارح في آخر فصل في ثبوت النسب عن مجمع الفتاوى : نكح كافر مسلمة فولدت منه لا يثبت النسب منه ولا تجب العدة لأنه نكاح باطل ا هـ . وهذا صريح فيقدم على المفهوم فافهم ، ومقتضاه الفرق بين الفاسد والباطل في النكاح ، لكن في الفتح قبيل التكلم على نكاح المتعة . أنه لا فرق بينهما في النكاح ، بخلاف البيع ، نعم في البزازية حكاية قولين في أن نكاح المحارم باطل أو فاسد . والظاهر أن المراد بالباطل ما وجوده كعدمه ، ولذا لا يثبت النسب ولا العدة في نكاح المحارم أيضا كما يعلم مما سيأتي في الحدود . وفسر القهستاني هنا الفاسد بالباطل ، ومثله بنكاح المحارم وبإكراه من جهتها أو بغير شهود إلخ وتقييده الإكراه بكونه من جهتها قدمنا الكلام عليه أول النكاح قبيل قوله وشرط حضور شاهدين ، وسيأتي في باب العدة أنه لا عدة في نكاح باطل . وذكر في البحر هناك عن المجتبى أن كل نكاح اختلف العلماء في جوازه كالنكاح بلا شهود فالدخول فيه موجب للعدة .

أما نكاح منكوحة الغير ومعتدته فالدخول فيه لا يوجب العدة إن علم أنها للغير لأنه لم يقل أحد بجوازه فلم ينعقد أصلا . قال : فعلى هذا يفرق بين فاسده وباطله في العدة ، ولهذا يجب الحد مع العلم بالحرمة لأنه زنى كما في القنية وغيرها ا هـ .

والحاصل أنه لا فرق بينهما في غير العدة ، أما فيها فالفرق ثابت . وعلى هذا فيقيد قول البحر هنا ونكاح المعتدة بما إذا لم يعلم بأنها معتدة ، لكن يرد على ما في المجتبى مثل نكاح الأختين معا فإن الظاهر أنه لم يقل أحد بجوازه ولكن لينظر وجه التقييد بالمعية . والظاهر أن المعية في العقد لا في ملك المتعة ، إذ لو تأخر أحدهما عن الآخر فالمتأخر باطل قطعا ( قوله في القبل ) فلو في الدبر لا يلزمه مهر لأنه ليس بمحل النسل كما في الخلاصة والقنية فلا يجب بالمس والتقبيل بشهوة شيء بالأولى كما صرحوا به أيضا بحر ( قوله كالخلوة ) أفاد أنه لا يجب المهر بمجرد العقد الفاسد بالأولى ( قوله لحرمة وطئها ) أي فلم يثبت بها التمكن من الوطء فهي غير صحيحة كالخلوة بالحائض فلا تقام مقام الوطء ، وهذا معنى قول المشايخ : الخلوة الصحيحة في النكاح الفاسد كالخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح ، كذا في الجوهرة ، وفيه مسامحة لفساد الخلوة بحر . والظاهر أنهم أرادوا بالصحيحة هنا الخالية عما يمنعها أو يفسدها من وجود ثالث أو صوم أو صلاة أو حيض ونحوه مما سوى فساد العقد لظهور أنه غير مراد ، وهذا سبب المسامحة وفيه مسامحة أخرى ، وهي أن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب العدة كما قدمناه عن الفتح مع أن الفاسدة في النكاح الصحيح توجبها كما مر أنه المذهب ( قوله ولم يزد مهر المثل إلخ ) المراد بمهر المثل ما يأتي في المتن ، بخلاف مهر المثل الواجب بالوطء بشبهة بغير عقد فإن المراد به غيره كما نص عليه في البحر ويأتي بيانه فافهم .

هذا ، وفي الخانية : لو تزوج محرمه لا حد عليه عند الإمام وعليه مهر مثل بالغا ما بلغ ا هـ فهي مستثناة إلا أن يقال إن نكاح المحارم باطل لا فاسد على ما مر من الخلاف ويكون ذلك ثمرة الاختلاف وبيانا لوجه الفرق بينهما كما أشار إليه في البحر ( قوله لرضاها بالحط ) لأنها لما لم تسم الزيادة كانت راضية بالحط مسقطة حقها فيها لا لأجل أن التسمية صحيحة من وجه لأن الحق أنها فاسدة من كل وجه لوقوعها في عقد فاسد ، ولهذا لو كان مهر المثل أقل من المسمى وجب مهر المثل فقط . وظاهر كلامهم أن مهر المثل لو كان أقل من العشرة فليس لها [ ص: 133 ] غيره ، بخلاف نكاح الصحيح إذا وجب فيه مهر المثل فإنه لا ينقص عن عشرة بحر ، ومثله في النهر ، وفيه نظر ، فإن مهر مثلها المعتبر بقوم أبيها كيف يكون أقل من العشرة مع أن العشرة أقل الواجب في المهر شرعا فتأمل ( قوله في الأصح ) وقيل بعد الدخول ليس لأحدهما فسخه إلا بحضرة الآخر كما في النهر وغيره ح ( قوله فلا ينافي وجوبه ) قال في النهر : وقول الزيلعي ولكل منهما فسخه بغير محضر من صاحبه لا يريد به عدم الوجوب ، إذ لا شك في أنه خروج من المعصية والخروج منها واجب بل إفادة أنه أمر ثابت له وحده . ا هـ . ح وضمير ينافي لتعبير المصنف باللام في قوله ولكل ، وضمير وحده لكل أي يثبت لكل منهما وحده .

( قوله بل يجب على القاضي ) أي إن لم يتفرقا ( قوله وتجب العدة ) ظاهر كلامهم وجوبها من وقت التفريق قضاء وديانة . وفي الفتح : يجب أن يكون هذا في القضاء . أما إذا علمت أنها حاضت بعد آخر وطء ثلاثا ينبغي أن يحل لها التزوج فيما بينها وبين الله تعالى على قياس ما قدمنا من نقل العتابي . ا هـ . ومحله فيما إذا فرق بينهما . أما إذا حاضت ثلاثا من آخر وطء ولم يفارقها فليس لها التزوج اتفاقا كما أشار إليه في غاية البيان ، وظاهر الزيلعي يوهم خلافه بحر ( قوله بعد الوطء لا الخلوة ) أي لا تجب بعد الخلوة المجردة عن وطء ، ووجوب العدة بعد الخلوة ولو فاسدة إنما هو في النكاح الصحيح . وفي البحر عن الذخيرة : ولو اختلفا في الدخول فالقول له فلا يثبت شيء من هذه الأحكام . ا هـ . وفيه عن الفتح : ولو كانت هذه المرأة الموطوءة أخت امرأته حرمت عليه امرأته إلى انقضاء عدتها ( قوله للطلاق ) متعلق بمحذوف حال من العدة ، وقوله لا للموت عطف عليه ، والمراد أن الموطوءة بنكاح فاسد سواء فارقها أو مات عنها تجب عليها العدة التي هي عدة طلاق وهي ثلاث حيض ; لا عدة موت وهي أربعة أشهر وعشر ، وهذا معنى قول المنح والبحر : والمراد بالعدة هنا عدة الطلاق . وأما عدة الوفاة فلا تجب عليها من النكاح الفاسد . ا هـ . ولا يصح تعلق قوله للطلاق بقوله تجب ، لأن الطلاق لا يتحقق في النكاح الفاسد بل هو متاركة كما في البحر ، وكذا لا يصح أن يراد بقوله لا للموت موت الرجل قبل الوطء ، ليفيد أنه لو مات بعده تجب عدة الموت ، لما علمت من إطلاق عبارة البحر والمنح أنها لا تجب في النكاح الفاسد ، ولما سيأتي في باب العدة من أنها تجب بثلاث حيض كوامل في الموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد في الموت والفرقة ا هـ أي إن كانت تحيض وإلا فثلاثة أشهر أو وضع الحمل فافهم .

( قوله من وقت التفريق ) أي تفريق القاضي ، ومثله التفرق وهو فسخهما أو فسخ أحدهما ح ، وهو متعلق تجب : أي لا من آخر الوقت خلافا لزفر ، وهو الصحيح كما في الهداية ، وأقره شراحها كالفتح والمعراج وغاية البيان ، وكذا صححه في الملتقى والجوهرة والبحر . ولا يخفى تقديم ما في هذه المعتبرات على ما في مجمع الأنهر من تصحيح قول زفر وعبارة المواهب واعتبرنا العدة من وقت التفريق لا من آخر الوطآت فافهم ( قوله أو متاركة الزوج ) في البزازية : المتاركة في الفاسد بعد الدخول لا تكون إلا بالقول كخليت سبيلك أو تركتك ومجرد إنكار النكاح لا يكون متاركة . أما لو أنكر وقال أيضا اذهبي وتزوجي كان متاركة والطلاق فيه متاركة لكن لا ينقص به عدد الطلاق ، وعدم مجيء أحدهما إلى آخر بعد الدخول ليس متاركة لأنها لا تحصل إلا بالقول . وقال صاحب المحيط : وقبل الدخول أيضا لا يتحقق إلا بالقول . ا هـ . وخص الشارح المتاركة بالزوج كما فعل الزيلعي لأن ظاهر كلامهم أنها لا تكون من المرأة أصلا مع أن فسخ هذا النكاح يصح من كل منهما بمحضر الآخر اتفاقا . والفرق بين المتاركة والفسخ بعيد كذا في البحر . [ ص: 134 ] وفرق في النهر بأن المتاركة في معنى الطلاق فيختص به الزوج ، أما الفسخ فرفع العقد فلا يختص به وإن كان في معنى المتاركة ، ورده الخير الرملي بأن الطلاق لا يتحقق في الفاسد فكيف يقال إن المتاركة في معنى الطلاق ، فالحق عدم الفرق ، ولذا جزم به المقدسي في شرح نظم الكنز إلخ ، وتمامه فيما علقناه على البحر وسيأتي قبيل باب الطلاق قبل الدخول عن الجوهرة طلق المنكوحة فاسدا ثلاثا له تزوجها بلا محلل ، قال ولم يحك خلافا فهذا أيضا مؤيد لكون الطلاق لا يتحقق في الفاسد ولذا كان غير منقص للعدد بل هو متاركة كما علمت ، حتى لو طلقها واحدة ثم تزوجها صحيحا عادت إليه بثلاث طلقات ( قوله في الأصح ) هذا أحد قولين مصححين ورجحه في البحر وقال إنه اقتصر عليه الزيلعي والآخر أنه شرط ، حتى لو لم يعلمها بها لا تنقضي عدتها




الخدمات العلمية