الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2089 - مسألة : والولي يعفو أو يأخذ الدية ثم يقتل ؟ قال علي : اختلف الناس في هذا : فقالت طائفة : يقتل - كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا يونس قال : سألت ابن شهاب عن رجل قتل رجلا ثم صالح ، فأدى الدية ثم قتله ؟ قال : نرى أن يقاد به صاغرا ، ولوليه أن يعفو عنه إن شاء .

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن القاسم بن الفضل عن هارون عن عكرمة في رجل قتل بعد أخذ الدية ، قال : يقتل ، أما سمعت قوله تعالى { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } . [ ص: 142 ]

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة : لا يقتل - كما روينا بالسند المذكور إلى أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن فيمن قتل بعد أخذ الدية ، قال : تؤخذ منه الدية ولا يقتل .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه - بعون الله تعالى ومنه - فنظرنا في ذلك : فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال { من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين إما أن يأخذوا العقل وإما أن يقتلوا } أو كلاما هذا معناه .

                                                                                                                                                                                          فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل للأهل إلا أحد الأمرين : إما الدية ، وإما القود ولم يجعل الأمرين معا ، فإذا قتل فلا دية له ، وإذا أخذ الدية فلا قتل له - هذا نص حكمه عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                          فوجدنا أهل المقتول لما عفوا وأخذوا الدية حلت لهم ، وصارت حقهم ، وبطل ما كان لهم من القود ، ليس لهم جميع الأمرين بالنص ، فإذا بطل حقهم في القود بذلك حرم القود وحلت الدية .

                                                                                                                                                                                          ولولا أن القود حرم لما حلت الدية ، فإذا حرم القود فقد قتلوا نفسا محرمة حرمها الله تعالى ، وإذ قتلوا نفسا محرمة فالقود واجب في ذلك ، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إيمانه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس } .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : هذا قتل نفسا بنفس ؟ قيل له : لا تحل النفس بالنفس إلا حيث أحلها الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما أحلها الله تعالى إذا اختاروا ذلك دون الدية ، وأما إذا اختاروا الدية فقد حرم الله تعالى عليهم تلك النفس ، إذ لم يجعل لهم إلا أحد الأمرين .

                                                                                                                                                                                          ومن ادعى في ذلك شيئا صح تحليله أنه حرم فهو مبطل ، إلا أن يأتي في [ ص: 143 ] دعواه ذلك بنص ، أو إجماع ، وقد صح بيقين كون الدية لهم حلالا ، ومالا من مالهم إذا أخذوها ، وصح تحريم القود عليهم بذلك بلا خلاف ، إذ لا يقول أحد في الأرض ، إنهم يجمعون الأمرين معا الدية والقود .

                                                                                                                                                                                          فإذ لا شك فيما ذكرنا فمن ادعى أن الدم الذي قد صح تحريمه عليهم عاد حلالا لهم ، وأن الدية التي أخذوا فحلت لهم قد حرمت عليهم ، لم يصدق إلا بقرآن أو سنة ، ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية