الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: مما خطيئاتهم "ما" صلة . والمعنى: من خطيآتهم: أي: من أجلها، وسببها . وقرأ أبو عمرو "مما خطاياهم" وقرأ أبو الجوزاء، والجحدري "خطيئتهم" من غير ألف "أغرقوا فأدخلوا نارا" قال ابن السائب: المعنى: سيدخلون في الآخرة نارا، فجاء لفظ الماضي بمعنى الاستقبال، لأن الوعد حق، هذا قول الأكثرين . وقال الضحاك: فأدخلوا نارا في الدنيا، وذلك أنهم كانوا يغرقون من جانب، ويحترقون في الماء من جانب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 375 ] قوله تعالى: فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا أي: لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ديارا قال ابن قتيبة: أي: أحدا . يقال: ما بالمنازل ديار أي: ما بها أحد، وهو من الدار، أي: ليس بها نازل دارا . وقال الزجاج: أصلها: "ديوار" فيعال، فقلبت الواو ياء، وأدغمت إحداهما في الأخرى . وإنما دعا عليهم نوح، لأن الله تعالى أوحى إليه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن [هود: 36] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يضلوا عبادك وذلك أن الرجل منهم كان ينطلق بابنه إلى نوح فيحذره تصديقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا قال المفسرون: إن الله تعالى أخبر نوحا أنهم لا يلدون مؤمنا، فلذلك علم الفاجر الخارج عن الطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: رب اغفر لي ولوالدي قال الحسن: وذلك أنهما كانا مؤمنين . وقرأ أبو بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، والجحدري، والجوني "ولوالدي" ساكنة الياء على التوحيد . وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، وابن يعمر، والزهري، والنخعي "ولولدي" من غير ألف على التثنية "ولمن دخل بيتي" وقرأ حفص عن عاصم "بيتي" بفتح الياء . وفيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: منزله، قاله ابن عباس . والثاني: مسجده، قاله الضحاك . والثالث: سفينته، حكاه الثعلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وللمؤمنين والمؤمنات هذا عام في كل من آمن "ولا تزد الظالمين" يعني: الكافرين "إلا تبارا" أي: هلاكا . ومنه قوله تعالى: تبرنا تتبيرا [الفرقان: 39] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية