الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 324 ] القول في تأويل قوله ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( 198 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل للمشركين : وإن تدعوا ، أيها المشركون ، آلهتكم إلى الهدى وهو الاستقامة إلى السداد ( لا يسمعوا ) ، يقول : لا يسمعوا دعاءكم ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) .

وهذا خطاب من الله نبيه صلى الله عليه وسلم . يقول : وترى ، يا محمد ، آلهتهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ولذلك وحد . ولو كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب المشركين ، لقال : " وترونهم ينظرون إليكم " .

وقد روي عن السدي في ذلك ما : -

15533 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) قال : هؤلاء المشركين .

وقد يحتمل قول السدي هذا أن يكون أراد بقوله : " هؤلاء المشركون " ، قول الله : ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا ) . وقد كان مجاهد يقول في ذلك ، ما : -

15534 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 325 ] ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) ، ما تدعوهم إلى الهدى . وكأن مجاهدا وجه معنى الكلام إلى أن معناه : وترى المشركين ينظرون إليك وهم لا يبصرون فهو وجه ، ولكن الكلام في سياق الخبر عن الآلهة ، فهو بوصفها أشبه .

قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما معنى قوله : ( وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ) ؟ وهل يجوز أن يكون شيء ينظر إلى شيء ولا يراه ؟

قيل : إن العرب تقول للشيء إذا قابل شيئا أو حاذاه : " هو ينظر إلى كذا " ، ويقال : " منزل فلان ينظر إلى منزلي " إذا قابله . وحكي عنها : " إذا أتيت موضع كذا وكذا ، فنظر إليك الجبل ، فخذ يمينا أو شمالا " . وحدثت عن أبي عبيد قال : قال الكسائي : " الحائط ينظر إليك " إذا كان قريبا منك حيث تراه ، ومنه قول الشاعر :

إذا نظرت بلاد بني تميم بعين أو بلاد بني صباح

[ ص: 326 ]

يريد : تقابل نبتها وعشبها وتحاذى .

قال أبو جعفر : فمعنى الكلام : وترى ، يا محمد ، آلهة هؤلاء المشركين من عبدة الأوثان ، يقابلونك ويحاذونك ، وهم لا يبصرونك ، لأنه لا أبصار لهم . وقيل : " وتراهم " ، ولم يقل : " وتراها " ، لأنها صور مصورة على صور بني آدم عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية