الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت النفقة من أصول ما بنيت عليه السورة من صفات المؤمنين ومما رزقناهم ينفقون ثم كرر الترغيب فيها في تضاعيف الآي إلى أن أمر بها في أول آيات الحج الماضية آنفا مع أنها من دعائم بدايات الجهاد إلى أن تضمنتها الآية السالفة مع القتل الذي هو نهاية الجهاد كان هذا موضع السؤال عنهما فأخبر تعالى عن ذلك على طريق النشر المشوش وذلك مؤيد لما فهمته في البأساء والضراء فإن استعماله في القرآن أكثر من المرتب فقال معلما لمن سأل: هل سأل المخاطبون بذلك عنهما؟ يسألونك ماذا أي أي شيء [ ص: 213 ] ينفقون من الأموال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحرالي : لما كان منزل القرآن على نحو متصرف المرء في الأزمان كان انتظام خطابه متراجعا بين خطاب دين يتلقى عن الله وبين إقامة بحكم يكون العبد فيه خليفة الله في نفاذ أمره وبين إنفاق يكون فيه خليفة في إيصال فضله، لأن الشجاعة والجود - خلافة والجبن والبخل عزل عنها، فكان في طي ما تقدم من الخطاب الإحسان والإنفاق، وكان حق ذلك أن لا يسأل عماذا ينفق، لأن المنفق هو الفضل كله ، قال صلى الله عليه وسلم: يا ابن آدم! إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ففي هذا السؤال ممن سأله له نوع تلدد من نحو ما تقدم لبني إسرائيل في أمر البقرة من مرادة المسألة، لم يستأذن الصديق رضي الله تعالى عنه حين أتى بماله كله ولا استأذن عمر رضي الله عنه حين أتى بشطر [ ص: 214 ] ماله ولا استأذن سعد بن الربيع حين خرج لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما عن شطر ماله وإحدى زوجتيه; فكان في هذا السؤال إظهار مثل الذين خلوا من قبلهم ولولا أن الله رحيم لكان جوابهم: تنفقون الفضل، فكان يقع واجبا ولكن الله لطف بالضعيف لضعفه وأثبت الإنفاق وأبهم قدره في نكس الإنفاق بأن يتصدق على الأجانب مع حاجة من الأقارب فقال تعالى خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وإعراضا منه عن السائلين لما في السؤال من التبلد الإسرائيلي - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال: قل ما أنفقتم من خير أي من مال وعدل عن بيان المنفق ما هو إلى بيان المصرف لأنه أنفع على وجه عرف منه سؤالهم وهو كل مال عدوه خيرا فقال معبرا بالماضي ليكون أشمل: ما أنفقتم من خير فعمم المنفق منه وهو كل ماله تعدونه خيرا وخص المصرف مبينا أهمه لأن النفقة [ ص: 215 ] لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها فقال: فللوالدين لأنهما أخرجاه إلى الوجود في عالم الأسباب والأقربين لما لهم من الحق المؤكد بأنهم كالجزء لما لهم من قرب القرابة واليتامى لتعرضهم للضياع لضعفهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحرالي : لأنهم أقارب بعد الأقارب باليتم الذي أوجب خلافة الغير عليهم - انتهى والمساكين لمشاركتهم الأيتام في الضعف وقدرتهم في الجملة على نوع كسب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 216 ] قال الحرالي : وهم المتعرضون لغة والمستترون الذين لا يفطن لهم ولا يجدون ما يغنيهم شرعا ولغة نبوية - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وابن السبيل لضعفه بالغربة والآية محكمة فحمل ما فيها على ما يعارض غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما خص من ذكر عمم وبشر بقوله: وما تفعلوا من خير أي مما يعد خيرا من عين أو معنى من هذا أو غيره مع هؤلاء أو غيرهم فإن الله المحيط علما وقدرة بكل شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان على طريق الاستئناف في مقام الترغيب والترهيب لكونه وكل الأمر إلى المنفقين وكان سبحانه عظيم الرفق بهذه الأمة أكد علمه بذلك فقدم بذلك فقدم الظرف إشارة إلى أن له غاية النظر إلى أعمالهم الحسنة فقال: به عليم أي بالغ العلم [ ص: 217 ] وهو أولى من جازى على الخير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحرالي : ختم بالعلم لأجل دخول الخلل على النيات في الإنفاق لأنه من أشد شيء تتباهى به النفس فيكاد لا يسلم لها منه إلا ما لا تعلمه شمالها التي هي التفاتها وتباهيها ويختص بيمينها التي هي صدقها وإخلاصها - انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية