الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . والربا ضربان : نقد ، ونساء .

                                                                                                                                            وأما النساء : فهو بيع الدرهم بالدرهمين إلى أجل ، وهو المعهود من ربا الجاهلية والذي قد أجمع على تحريمه جميع الأمة .

                                                                                                                                            وأما النقد : فهو بيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد ، فمذهب جمهور الصحابة وكافة الفقهاء تحريم ذلك كالنساء ، وذهب خمسة من الصحابة إلى إحلاله وإباحته وهم : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأسامة بن زيد ، وزيد بن أرقم ، والبراء بن عازب تعلقا بخبرين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما استدل به ابن عباس أن أسامة بن زيد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إنما الربا في النسيئة " . فلما أثبت الربا في النسيئة دل على انتفاء الربا في النقد .

                                                                                                                                            والثاني : ما رواه عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال : باع شريك لي دراهم بدراهم بالكوفة وبينهما فضل . فقلت : ما أراه يصلح هذا . فقال : لقد بعتها في السوق فما عاب علي ذلك أحد ، فأتيت البراء بن عازب ، فسألته ، فقال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وتجارتنا كذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما كان يدا بيد فلا بأس به ، وما كان نسيئة فلا خير فيه " . وأتيت زيد بن أرقم فإنه كان أعظم تجارة منا ، فأتيته فسألته فقال لي مثل ذلك . وهذا نص .

                                                                                                                                            والدلالة على تحريم ذلك أربعة أحاديث :

                                                                                                                                            أحدها : حديث عبادة بن الصامت المقدم ذكره في صدر الباب .

                                                                                                                                            وقوله : " إلا سواء بسواء يدا بيد " .

                                                                                                                                            والثاني : حديث أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الفضة بالفضة والذهب بالذهب سواء بسواء فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي سواء " .

                                                                                                                                            والثالث : حديث مالك بن عامر عن عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين " .

                                                                                                                                            [ ص: 77 ] والرابع : حديث سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما " .

                                                                                                                                            وأما حديث أسامة وقوله " إنما الربا في النسيئة " ففيه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو جواب الشافعي : أنه جواب من النبي - صلى الله عليه وسلم - لسائل سأله عن التفاضل في جنسين مختلفين ، فقال : " إنما الربا في النسيئة " ، فنقل أسامة جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأغفل سؤال السائل .

                                                                                                                                            والثاني : أنه محمول على الجنس الواحد يجوز التماثل فيه نقدا ولا يجوز نسيئة .

                                                                                                                                            على أن ابن عباس المستدل بحديث أسامة رجع عن مذهبه حين لقيه أبو سعيد الخدري وقال له : يا ابن عباس ، إلى متى تأكل الربا وتطعمه الناس . وروى له حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ابن عباس : يا أيها الناس ، إن هذا ربا كان مني ، وإني أستغفر الله وأتوب إليه . وأما حديث أبي المنهال عن البراء بن عازب وزيد بن أرقم فمنسوخ : لأنه مروي عن أول الهجرة وتحريم الربا متأخر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية