الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ ص: 871 ] فصل فيما جاء في الحوض والكوثر


      وحوض خير الخلق حق وبه يشرب في الأخرى جميع حزبه



      ( وحوض خير الخلق ) نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر الذي أعطاه ربه عز وجل ( حق ) لا مرية فيه ( وبه ) بالحوض ( يشرب ) أي يروى ولذا عدي بالباء دون من لتضمن الشرب هاهنا معنى الري ( في الأخرى ) أي في الدار الآخرة ( وجميع حزبه ) وهم أمة الإجابة الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوا النور الذي أنزله معه ، قال الله تبارك وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم : ( إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ( الكوثر : 1 - 3 ) .

      وروى البخاري بسنده إلى أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر : هو الخير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير : فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة . فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه اهـ .

      وقد ورد في ذكر الحوض وتفسير الكوثر به وإثباته وصفته من طرق جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتهر واستفاض بل تواتر في كتب السنة من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن ، فممن روى ذلك عنه من الصحابة أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وحارثة بن وهب وجندب بن عبد الله وسهل بن سعد وعائشة وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر وثوبان وأبو ذر وأم سلمة وجابر بن سمرة وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وحذيفة وأبو برزة الأسلمي والمستورد بن شداد وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن زيد وأسامة بن زيد .

      [ ص: 872 ] فأما عن أنس بن مالك فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا آدم حدثنا شيبان حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال : لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال : " أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر " .

      وقال رحمه الله تعالى : حدثنا أبو الوليد حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم . وحدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا أسير في الجنة إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف ، قلت ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فإذا طينه - أو طيبه - مسك أذفر " . شك هدبة .

      وقال رحمه الله تعالى : حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني ابن وهب عن يونس قال ابن شهاب : حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن ، وإن فيه من الأباريق بعدد نجوم السماء " . ووافقه على إخراجه مسلم بهذا اللفظ ، وبلفظ " ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة " وبلفظ " ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء " .

      وقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا وهيب حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول أصحابي ، فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك " ورواه مسلم بلفظ " إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني ، [ ص: 873 ] فلأقولن أي رب أصحابي ، فليقالن لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " .

      وأما عن ابن عمر فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح " ورواه مسلم بلفظ " ما بين ناحيتيه كما بين جرباء وأذرح " وزاد في رواية " فيه أباريق كنجوم السماء ، من ورده فشرب منه لا يظمأ بعدها أبدا " زاد في أخرى : قال عبيد الله : " فسألته فقال : قريتين بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال " .

      وأما عن حارثة بن وهب فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن معبد بن خالد أنه سمع حارثة بن وهب رضي الله عنه يقول : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحوض فقال : كما بين المدينة وصنعاء " وزاد ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " حوضه ما بين صنعاء والمدينة " فقال له المستورد : " ألم تسمعه قال الأواني ؟ قال : لا . قال المستورد : ترى فيه الآنية مثل الكواكب " . ورواه مسلم بهذا اللفظ .

      وأما عن جندب بن عبد الله فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا عبدان أخبرني أبي عن شعبة عن عبد الملك قال : سمعت جندبا قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا فرطكم على الحوض " ورواه مسلم هكذا .

      وأما عن سهل بن سعد فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال : قال [ ص: 874 ] النبي صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا . ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم " قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته هو يزيد فيها " فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي " ورواه مسلم وفيه " لمن بدل بعدي " .

      وأما عن عائشة فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال : سألتها عن قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) ( الكوثر : 1 ) قالت : " نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم شاطئاه عليه در مجوف ، آنيته كعدد النجوم " .

      وقال مسلم رحمه الله تعالى : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه : " إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم فوالله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن : أي رب مني ومن أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما عملوا بعدك ، ما زالوا يرجعون على أعقابهم " .

      وأما عن عقبة بن عامر فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف على المنبر فقال : " إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " ورواه مسلم بهذا اللفظ ، وبلفظ [ ص: 875 ] " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال : إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة . إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم " . قال عقبة : وكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر .

      وأما عن عبد الله بن مسعود فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا فرطكم على الحوض " .

      وحدثني عمرو بن علي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن المغيرة قال : سمعت أبا وائل عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " تابعه عاصم عن أبي وائل ، وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروى مسلم حديث ابن مسعود بلفظ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول : يا رب أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . وأشار إلى حديث حذيفة بنحو رواية الأعمش ومغيرة .

      وأما عن أبي هريرة فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح حدثنا أبي قال حدثنا هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا [ ص: 876 ] عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم ، فقلت إلى أين ؟ قال إلى النار والله ، قلت وما شأنهم ؟ قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال هلم ، قلت إلى أين ؟ قال إلى النار والله ، قلت ما شأنهم ؟ قال إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " .

      وله عنه أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " .

      وله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " .

      وقال مسلم رحمه الله تعالى : حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي حدثنا الربيع يعني ابن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل " .

      وله عن أبي حاتم عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن حوضي أبعد من أيلة من عدن ، لهو أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل باللبن ، ولآنيته أكثر من عدد النجوم ، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه . قالوا : يا رسول الله أتعرفنا يومئذ ؟ قال : نعم ، لكم سيما ليست لأحد من الأمم ، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء " .

      وأما عن عبد الله بن عمرو بن العاص فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا [ ص: 877 ] سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال : قال عبد الله بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدا " ورواه مسلم بلفظ " حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا " .

      وأما عن ابن عباس فهو ما تقدم في أول الباب . وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير عنه رضي الله عنه قال : الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر ، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل .

      وله عن عطاء بن السائب قال : قال لي محارب بن دثار : ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت : حدثنا عن ابن عباس أنه الخير الكثير . فقال : صدق والله ، إنه للخير الكثير ، ولكن حدثنا ابن عمر قال " ( إنا أعطيناك الكوثر ) ( الكوثر : 1 ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت " .

      وأما عن أسماء فقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع بن عمر قال : حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم " وكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا . ورواه مسلم بسند حديث [ ص: 878 ] عبد الله بن عمرو متصلا بمتنه ، ولفظه كلفظ البخاري .

      وأما عن ثوبان فقال مسلم رحمه الله تعالى : حدثنا أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى وابن بشار وألفاظهم متقاربة قالوا : حدثنا معاذ وهو ابن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم ، فسئل عن عرضه فقال : من مقامي إلى عمان ، وسئل عن شرابه فقال : أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق .

      وقال الترمذي رحمه الله تعالى : حدثنا محمد بن إسماعيل أنبأنا يحيى بن صالح أنبأنا محمد بن مهاجر عن العباس عن أبي سلام الحبشي قال : بعث إلي عمر بن عبد العزيز فحملت على البريد فلما دخل عليه قال : يا أمير المؤمنين ، لقد شق علي مركبي البريد . فقال : يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك ، ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحوض فأحببت أن تشافهني به . قال أبو سلام حدثني ثوبان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكوابه عدد نجوم السماء ، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين ، الشعث رءوسا ، الدنس ثيابا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم السدد " قال عمر : لكني نكحت المتنعمات وفتحت لي السدد ونكحت فاطمة بنت عبد الملك ، لا جرم إني لا أغسل رأسي حتى يشعث ، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ . ورواه ابن [ ص: 879 ] ماجه بلفظ " إن حوضي ما بين عدن إلى أيلة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، أكاويبه كعدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " الحديث . وفيه قال : فبكى عمر حتى اخضلت لحيته . وفيه " ولا أدهن رأسي حتى يشعث " .

      وأما عن أبي ذر فقال مسلم رحمه الله تعالى : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لابن أبي شيبة - قال إسحاق : أخبرنا - وقال الآخران حدثنا - عبد العزيز بن عبد الصمد العمي عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : " قلت يا رسول الله ، ما آنية الحوض ؟ قال : والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ، ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب في ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل " رواه الترمذي بهذا اللفظ وقال حسن صحيح غريب .

      وأما عن أم سلمة رضي الله عنها فقال مسلم بن الحجاج : حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني عمرو وهو ابن الحارث أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : " كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيها الناس . فقلت للجارية : استأخري عني . قالت : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء . فقلت : إني من الناس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لكم فرط على الحوض ، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني [ ص: 880 ] كما يذب البعير الضال ، فأقول فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا " .

      وأما عن جابر بن سمرة فقال مسلم رحمه الله تعالى : حدثني الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني حدثني أبي رحمه الله تعالى حدثني زياد بن خيثمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إني فرط لكم على الحوض ، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة كأن الأباريق فيه النجوم " .

      وأما عن زيد بن أرقم فقال أبو داود رحمه الله تعالى : حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلا فقال : ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض . قال قلت : كم كنتم يومئذ ؟ قال : سبعمائة أو ثمانمائة " .

      وأما عن سمرة بن جندب فقال الترمذي رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن نيزك البغدادي أنبأنا محمد بن بكار الدمشقي أنبينا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أيهم أكثر وارده ، وإني أرجو أن أكون أكثرهم وارده " هذا حديث حسن غريب . وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ولم يذكر فيه عن سمرة وهو أصح اهـ .

      [ ص: 881 ] وأما عن حذيفة فتقدمت الإشارة إليه عند الشيخين بعد روايتهما حديث ابن مسعود .

      وقال ابن ماجه رحمه الله تعالى : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن أبي مالك سعد بن طارق عن ربعي عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن ، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم ، ولهو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه . قيل يا رسول الله أتعرفنا ؟ قال نعم ، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء ليست لأحد غيركم " . ورواه مسلم في الطهارة بهذا اللفظ وبهذا السند .

      وأما عن أبي برزة فقال أبو داود رحمه الله تعالى : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت قال : شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان سماه مسلم وكان في السماط فلما رآه عبيد الله قال : إن محمديكم هذا الدحداح ، ففهمها الشيخ فقال : ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال له عبيد الله : إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لك زين غير شين ، ثم قال : إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا ؟ فقال أبو برزة : نعم ، لا مرة ولا اثنتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا ، فمن كذب به فلا سقاه الله منه ، ثم خرج مغضبا .

      وأما عن المستورد فتقدم في المتفق عليه من حديث حارثة بن وهب .

      وأما حديث أبي سعيد الخدري فقال ابن ماجه رحمه الله تعالى : حدثنا أبو [ ص: 882 ] بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا حدثنا عطية عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لي حوضا ما بين الكعبة وبيت المقدس ، أبيض من اللبن آنيته عدد النجوم ، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة " .

      وأما عن عبد الله بن زيد فرواه البخاري ومسلم عنه مطولا في قصة قسم غنائم حنين ، وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار رضي الله عنهم : " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " .

      وأما عن أسامة بن زيد فقال ابن جرير رحمه الله تعالى : حدثني البرني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب فلم يجده فسأل عنه امرأته وكانت من بني النجار فقالت : خرج يا نبي الله عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار . أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك لأهنيك وأمريك ، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : أجل وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ " . قال ابن كثير رحمه الله تعالى : حرام بن عثمان ضعيف ، ولكن هذا سياق حسن ، وقد صح أصل هذا بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث اهـ . قلت : وقد ذكرنا منها ما تيسر . وفي الباب عدة أحاديث غير ما ذكرنا ، ولمن ذكرنا من الصحابة أحاديث أخر لم [ ص: 883 ] نذكرها ولهم روايات في الأصول التي عزونا إليها غير ما سقنا ، وإنما أشرنا إشارة إلى بعضها لتعرف شهرة هذا الباب واستفاضته وتواتره مع الإيجاز والاختصار . ولله الحمد والمنة .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية