الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويسافر بها بعد أداء كله ) مؤجلا ومعجلا ( إذا كان مأمونا عليها وإلا ) يؤد كله ، أو لم يكن مأمونا ( لا ) يسافر بها وبه يفتى كما في شروح المجمع واختاره في ملتقى الأبحر ومجمع الفتاوى واعتمده المصنف وبه أفتى شيخنا الرملي ، لكن في النهر : والذي عليه العمل في ديارنا أنه لا يسافر بها جبرا عليها ، [ ص: 147 ] وجزم به البزازي وغيره . وفي المختار : وعليه الفتوى . وفي الفصول : يفتى بما يقع عنده من المصلحة ( وينقلها فيما دون مدته ) أي السفر ( من المصر إلى القرية وبالعكس ) ومن قرية إلى قرية لأنه ليس بغربة ، وقيده في التتارخانية بقرية يمكنه الرجوع قبل الليل إلى وطنه ، وأطلقه في الكافي قائلا : وعليه الفتوى -

التالي السابق


( قوله مؤجلا ومعجلا ) تفسير لقوله كله والنصب بتقدير يعني .

مطلب في السفر بالزوجة

قال في البحر عن شرح المجمع : وأفتى بعضهم بأنه إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان مأمونا سافر بها وإلا لا لأن التأجيل إنما يثبت بحكم العرف ، فلعلها إنما رضيت بالتأجيل لأجل إمساكها في بلدها ، أما إذا أخرجها إلى دار الغربة فلا إلخ ( قوله لكن في النهر إلخ ) ومثله في البحر حيث ذكر أولا أنه إذا أوفاها المعجل فالفتوى على أنه يسافر بها كما في جامع الفصولين . وفي الخانية والولوالجية أنه ظاهر الرواية ، ثم ذكر عن الفقيهين أبي القاسم الصفار وأبي الليث أنه ليس له السفر مطلقا بلا رضاها لفساد الزمان لأنها لا تأمن على نفسها في منزلها فكيف إذا خرجت وأنه صرح في المختار بأن عليه الفتوى . وفي المحيط أنه المختار . وفي الولوالجية أن جواب ظاهر الرواية كان في زمانهم ، أما في زماننا فلا ، وقال : فجعله من باب اختلاف الحكم باختلاف العصر والزمان كما قالوا في مسألة الاستئجار على الطاعات ، ثم ذكر ما في المتن عن شرح المجمع لمصنفه ، ثم قال : فقد اختلف الإفتاء والأحسن الإفتاء بقول الفقيهين من غير تفصيل واختاره كثير من مشايخنا كما في الكافي ، وعليه عمل القضاء في زماننا كما في أنفع الوسائل . ا هـ .

[ ص: 147 ] ولا يقال : إنه إذا اختلف الإفتاء لا يعدل عن ظاهر الرواية لأن ذلك فيما لا يكون مبنيا على اختلاف الزمان كما أفاده كلام الولوالجية ، وقول البحر فجعله إلخ فإن الاستئجار على الطاعات كالتعليم ونحوه لم يقل بجوازه الإمام ولا صاحباه . وأفتى به المشايخ للضرورة التي لو كانت في زمان الإمام لقال به ، فيكون ذلك مذهبه حكما كما أوضحت ذلك في شرح أرجوزتي المنظومة في رسم المفتي فافهم ( قوله وجزم به البزازي ) كذا في النهر مع أن الذي حط عليه كلام البزازي تفويض الأمر إلى المفتي ، فإنه قال وبعد إيفاء المهر إذا أراد أن يخرجها إلى بلاد الغربة يمنع من ذلك لأن الغريب يؤذى ويتضرر لفساد الزمان :

ما أذل الغريب ما أشقاه كل يوم يهينه من يراه

كذا اختار الفقيه وبه يفتي وقال القاضي : قول الله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم } أولى من قول الفقيه قيل قوله تعالى { ولا تضاروهن } في آخره دليل قول الفقيه . لأنا قد علمنا من عادة زماننا مضارة قطعية في الاغتراب بها . واختار في الفصول قول القاضي ، فيفتي بما يقع عنده من المضارة وعدمها لأن المفتي إنما يفتي بحسب ما يقع عنده من المصلحة . ا هـ .

فقوله فيفتي إلخ صريح في أنه لم يجزم بقول الفقيه ولا بقول القاضي ، وإنما جزم بتفويض ذلك إلى المفتي المسئول عن الحادثة ، وأنه لا ينبغي طرد الإفتاء بواحد من القولين على الإطلاق ، فقد يكون الزوج غير مأمون عليها يريد نقلها من بين أهلها ليؤذيها أو يأخذ مالها ، بل نقل بعضهم أن رجلا سافر بزوجته وادعى أنها أمته وباعها فمن علم منه المفتي شيئا من ذلك لا يحل له أن يفتيه بظاهر الرواية ، لأنا نعلم يقينا أن الإمام لم يقل بالجواز في مثل هذه الصورة .

وقد يتفق تزوج غريب امرأة غريب في بلدة ولا يتيسر له فيها المعاش فيريد أن ينقلها إلى بلده أو غيرها وهو مأمون عليها ، بل قد يريد نقلها إلى بلدها فكيف يجوز العدول عن ظاهر الرواية في الصورة والحال أنه لم يوجد الضرر الذي علل به القائل بخلافه بل وجد الضرر للزوج دونها فنعلم يقينا أيضا أن من أفتى بخلاف ظاهر الرواية لا يقول بالجواز في مثل هذه الصورة ; ألا ترى أن من ذهب بزوجته للحج فقام بها في مكة مدة ثم حج وامتنعت من السفر معه إلى بلده هل يقول أحد بمنعه عن السفر بها وبتركها وحدها تفعل ما أرادت ، فتعين تفويض الأمر إلى المفتي ، وليس هذا خاصا بهذه المسألة بل لو علم المفتي أنه يريد نقلها من محلة إلى محلة أخرى في بلدة بعيدة عن أهلها لقصد إضرارها لا يجوز له أن يعينه على ذلك ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فلينظر في رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف التي شرحت بها بيتا من أرجوزتي في رسم المفتي وهو قولي : والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار
( قوله وفي الفصول إلخ ) قد علمت أن هذا اختيار صاحب البزازية وأن ما في الفصول غيره ( قوله وقيده ) الضمير يعود إلى النقل المفهوم من قوله وينقلها ، وكذا الضمير في قوله وأطلقه ، وقوله يمكنه الرجوع الأولى يمكنها .

وفي الشرنبلالية : وينبغي العمل بالقول بعدم نقلها من المصر إلى القرية في زماننا لما هو ظاهر من فساد الزمان ، والقول بنقلها إلى القرية ضعيف ، لقول الاختيار : وقيل يسافر بها إلى قرى المصر القريبة لأنها ليست [ ص: 148 ] بغربة ا هـ وليس المراد السفر الشرعي ، بل النقل لقوله لأنها ليست بغربة ا هـ ما في الشرنبلالية . قلت : وفيه أنه بعد تصريح الكافي بأن الفتوى على جواز النقل ، وفي قول القنية إنه الصواب كيف يكون ضعيفا ، نعم لو اقتصر على الترجيح بفساد الزمان لكان أولى ، لكن ينبغي العمل بما مر عن البزازية من تفويض الأمر إلى المفتي ، حتى لو رأى رجلا يريد نقلها للإضرار بها والإيذاء لا يفتيه ولا سيما إذا كانت من أشراف الناس ولم تكن القرية مسكنا لأمثالها ، فإن المسكن يعتبر بحالها كالنفقة كما سيأتي في بابها .




الخدمات العلمية