الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في طلاق المعتوه

                                                                                                          1191 حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني أنبأنا مروان بن معاوية الفزاري عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله قال أبو عيسى هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز إلا أن يكون معتوها يفيق الأحيان فيطلق في حال إفاقته

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : المعتوه بفتح الميم وسكون المهملة وضم المثناة وسكون الواو بعدها هاء ، الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران ، والجمهور على عدم اعتبار ما يصدر منه . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( كل طلاق جائز ) أي : واقع ( إلا طلاق المعتوه ) قال في القاموس : عته كعني عتها وعتها وعتاها فهو معتوه : نقص عقله ، أو فقد ، أو دهش . انتهى ، وقال الجزري في النهاية : المعتوه هو المجنون المصاب بعقله ، وقد عته فهو معتوه . انتهى ( المغلوب على عقله ) تفسير المعتوه وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث بلفظ : والمعتوه ، قال القاري : كأنه عطف تفسيري ويؤيده رواية المغلوب بلا [ ص: 311 ] واو . ( هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث ) أي : غير حافظ له ، قال الحافظ زين الدين العراقي هذا حديث أبي هريرة انفرد بإخراجه الترمذي وعطاء بن عجلان ليس له عند الترمذي إلا هذا الحديث الواحد ، وليس له في بقية الكتب الستة شيء ، وهو حنفي بصري يكنى أبا محمد ويعرف بالعطار ، اتفقوا على ضعفه ، قال ابن معين والفلاس : كذاب ، وقال أبو حاتم : والبخاري منكر الحديث . زاد أبو حاتم : جدا ، وهو متروك الحديث . انتهى . اعلم أن هذا الحديث بهذا اللفظ قد روي عن علي بسند صحيح موقوفا عليه ، قال البخاري في صحيحه : وقال علي رضي الله عنه : وكل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه ، قال العيني : ذكره بصيغة الجزم ؛ لأنه ثابت ، ووصله البغوي في الجعديات . انتهى . قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم أن طلاق المعتوه المغلوب على عقله لا يجوز إلخ ) قال الحافظ في الفتح : وفيه خلاف قديم ذكر ابن أبي شيبة من طريق نافع أن المحبر بن عبد الرحمن طلق امرأته ، وكان معتوها فأمرها ابن عمر بالعدة فقيل له : إنه معتوه . فقال : إني لم أسمع الله استثنى للمعتوه طلاقا ، ولا غيره ، وذكر ابن أبي شيبة عن الشعبي وإبراهيم وغير واحد مثل قول علي . انتهى ، قال في المرقاة : قال زين العرب : والمغلوب على عقله يعم السكران من غير تعد ، والمجنون والنائم ، والمريض الزائل عقله بالمرض ، والمغمى عليه ، فإنهم كلهم لا يقع طلاقهم ، وكذا الصبي ، وفي الهداية : ولا يقع طلاق الصبي ، وإن كان يعقل ، والمجنون والنائم ، والمعتوه كالمجنون ، قال ابن الهمام : قيل هو قليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير لكن لا يضرب ، ولا يشتم بخلاف المجنون ، وقيل العاقل من يستقيم كلامه ، وأفعاله إلا نادرا والمجنون ضده ، والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء ، وهذا يؤدي إلى أن لا يحكم بالعته على أحد ، والأول أولى ، وما قيل من يكون كل من الأمرين منه غالبا معناه يكثر منه ، وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصده مع ظهور الفساد ، والمجنون بلا قصد ، والعاقل خلافهما ، وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانا ، والمبرسم والمغمى عليه والمدهوش كذلك ، وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم كل طلاق جائز إلا طلاق الصبي والمجنون . انتهى ما في المرقاة ، وقال الحافظ في الفتح وذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضا أبو الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم وعمر بن عبد العزيز . [ ص: 312 ] ذكره ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد صحيحة ، وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني ، واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع ، قال : والسكران معتوه بسكره ، وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي ، وبه قال الأوزاعي والثوري ، ومالك وأبو حنيفة ، وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه ، والخلاف عند الحنابلة والترجيح بالعكس ، وقال ابن المرابط إذا تيقنا ذهاب عقل السكران لم يلزمه طلاق ، وإلا لزمه ، وقد جعل الله حد السكر الذي تبطل به الصلاة أن لا يعلم ما يقول ، وهذا التفصيل لا يأباه من يقول بعدم وقوع طلاقه ، وإنما استدل من قال بوقوعه مطلقا بأنه عاص بفعله لم يزل عنه الخطاب بذلك ، ولا الإثم ؛ لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر ، أو فيه ، وأجاب الطحاوي بأنه لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته ، أو من جهة غيره ؛ إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله ، أو بسبب من قبل نفسه ، كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل ، وهو القعود فافترقا ، وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم لم يجب عليه قضاء الصلاة ، ولا يقع طلاقه فافترقا . انتهى كلام الحافظ .




                                                                                                          الخدمات العلمية