الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2103 - مسألة : خلع الجاني ؟ قال أبو محمد : نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني نا إبراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا قتيبة بن سعيد نا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي نا الحجاج بن أبي عثمان حدثني أبو رجاء - من آل أبي قلابة - نا أبو قلابة : أن عمر بن عبد العزيز جمع الناس - وفيهم أبو قلابة - فذكر حديثا - وفيه : أن أبا قلابة قال لعمر بن عبد العزيز : وقد كانت هذيل خلعت خليعا لهم في الجاهلية فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله ، فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بن الخطاب بالموسم ، وقالوا : قتل صاحبنا ، فقال : إنهم قد خلعوه ، فقال عمر : يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه ، فأقسم تسعة وأربعون من هذيل ، وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم ، فافتدى يمينه منهم بألف درهم ، فأدخلوا مكانه رجلا آخر ، فدفعه عمر إلى أخي المقتول فقرنت يده بيده - قال : فانطلقا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخلة أخذتهم السماء فدخلوا في غار في جبل ، فانهدم الغار على الخمسين الذين أقسموا ، فماتوا جميعا ، وأفلت القرينان ، [ ص: 185 ] فاتبعهما حجر فكسر رجل أخي المقتول ، فعاش حولا ثم مات .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن عمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال : خلع قوم من هذيل سارقا لهم كان يسرق الحجيج ، فقالوا : قد خلعناه ، فمن وجده بسرقة فدمه هدر ؟ فوجدته رفقة من أهل اليمن يسرقهم فقتلوه ، فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا : بالله ما خلعناه ، ولقد كذب الناس علينا ، فأحلفهم عمر خمسين يمينا ، ثم أخذ عمر بيد رجل من الرفقة فقال : أقرنوا هذا إلى أحدكم حتى يؤدي دية صاحبكم ، فانطلقوا حتى إذا دنوا من أرضهم أصابهم مطر شديد واستتروا بجبل طويل وقد أمسوا فلما نزلوا كلهم انقض عليهم الجبل ، فلم ينج منهم أحد ، ولا من ركابهم إلا الشريد ، وصاحبه ، فكان يحدث بما لقي قومه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وعهدنا بالمالكيين ، والحنفيين يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف - إذا وافق أهواءهم - ويقولون : إن المرسل كالمسند ، وهذا من أحسن المراسيل إلى عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - لا مخالف له منهم ، ولا نكير من أحدهم ، فيلزمهم على أصولهم أن يجيزوا خلع عشيرة الرجل له ، فلا يكون لهم طلب بدمه إن قتل - وهذا ما لا يقولونه أصلا - فقد هان عليهم خلاف هذا الأصل .

                                                                                                                                                                                          وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذ لم يأت عنه إجازة خلع ، فالخلع باطل لا معنى له ، فكل جان بعمد فليس على عشيرته من جنايته تبعة ، وكل جان بخطأ فكذلك ، إلا ما أوجبه نص أو إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية