الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 189 ] مسألة : قوم أقر كل واحد منهم بقتل قتيل وبرأ أصحابه ؟ قال علي : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل اتهم بقتله رجلان أخوان فخاف أبوهما أن يقتلا ، فقال أبوهما : أنا قتلته ؟ فقال كل واحد من الأخوين : أنا قتلته ؟ وبرأ بعضهم بعضا ؟ فقال الزهري في ذلك إلى أولياء المقتول فيحلفون قسامة الدم على أحدهم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لسنا نقول هذا ، بل نقول : إن أولياء المقتول إن صدقوهم كلهم فلهم القود من جميعهم ، أو ممن شاءوا ، ولهم الدية على ما قدمنا أو المفاداة فإن كذبوا بعضهم وصدقوا بعضهم فلهم على من صدقوه القود ، أو الدية ، أو المفاداة ، وقد برئ من كذبوه .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك : أنهم إذا صدقوهم كلهم فقد صح لهم حق القود أو الدية ، بإقرار كل واحد منهم ، وكل حق وجب فلا يسقط إلا بنص ، أو إجماع ، ومن أقر بحق فلا يجوز تحليف المقر له بالحق ، إذ إنما يحلف المدعى عليه إذا أنكر لا المدعي ، فلا يجوز هاهنا تحليف من صدقت دعواه .

                                                                                                                                                                                          وأما إذا كذبوا منهم بعضا فقد برءوا من أكذبوه وسقط حكم الإقرار إذا لم يصدقه المقر له ، كسائر الحقوق ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          وكذلك لو كذبوهم كلهم فقد برئ المقرون وبطل إقرارهم ، إذ قد أسقط المقر لهم حقهم في ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقول المقر : أنا وحدي قتلت فلانا ولم يقتله هذا معي ، والآخر منكر لتبرئته إياه ، ومقر بقتل ذلك المقتول ، فواجب أن يلزم كل واحد منهما ما أقر به على نفسه ، لأنه إقرار تام ، وتكون تبرئته لمن أبرأ باطلا ، لأنه ليس عدلا فتقبل شهادته ، وحتى لو كان عدلا لما جاز هاهنا قبول شهادته ، لأن الشهادة إنما تقبل في الإيجاب لا في النفي .

                                                                                                                                                                                          ولا يختلف اثنان في أن رجلا لو ادعى على زيد مالا أو حقا فشهد له عدول بأنه لا شيء له عنده لكانت شهادته فاسدة لا تقبل ، ولا تبرئ المشهود له بها إلا بأن [ ص: 190 ] يزيدوا في شهادتهم إيجابا ، مثل أن يقولوا : وذلك أننا ندري أنه أبرأه من الحق ، أو قد أداه إليه أو نحو هذا - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية