الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا بأس بخل العنب مثلا بمثل فأما خل الزبيب فلا خير في بعضه ببعض ، مثلا بمثل ، من قبل أن الماء يقل فيه ويكثر ، فإذا اختلفت الأجناس فلا بأس " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            ومقدمات هذا الفصل أن التمر والرطب جنس واحد والزبيب والعنب جنس واحد ، وأن الماء هل فيه الربا أم لا ؟ على وجهين لأصحابنا :

                                                                                                                                            أحدهما : فيه الربا : لأنه مطعوم .

                                                                                                                                            والثاني : لا ربا فيه : لأنه مباح الأصل في غالب الأحوال لا يتحول ، ولذلك قلنا إن من غصب ماء فتوضأ به جاز ، ولو غصب رقبة فأعتقها لم يجز ، فإذا ثبت هذا فبيع خل العنب [ ص: 112 ] بخل العنب جائز لحصول التماثل في غالب أحواله . وليس له غاية يخاف عليه التفاوت فيها فصار كالأدهان ، وأما خل الزبيب بخل الزبيب فلا يجوز : لأن فيهما ما يمنع من التماثل لجواز أن يكون الماء في أحدهما أكثر منه في الآخر ، فيفضي إلى التفاضل في الجنس الواحد ، وكذلك بيع خل التمر بخل التمر لا يجوز : لما فيه من الماء المانع من التماثل ، وكذلك بيع خل الرطب بخل الرطب لا يجوز بخلاف خل العنب : لأن خل العنب عصير ، لا يخالطه الماء ، وخل الرطب لا يصح إلا بمخالطة الماء .

                                                                                                                                            فأما بيع خل العنب بخل الزبيب فلا يجوز أيضا : لأن الزبيب والعنب جنس واحد وفي أحدهما ما يمنع من التماثل ، وكذلك بيع خل الرطب بخل التمر لا يجوز : لأن فيهما ما يمنع من التماثل ، ولكن بيع خل العنب بخل التمر والرطب جائز : لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما .

                                                                                                                                            فأما بيع خل الزبيب بخل الرطب والتمر فعلى وجهين مبنيين على ثبوت الربا في الماء .

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز على الوجه الذي يقول إن الماء لا ربا فيه : لأن الزبيب والتمر جنسان .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجوز إذا قيل إن في الماء الربا : لجواز أن يكون الماء الذي في أحدهما أكثر منه في الآخر .

                                                                                                                                            وكان أبو علي بن أبي هريرة يخرج قولا ثانيا في الخل أن جميعه جنس واحد كاللبن ، فيمنع على هذا القول من بيع خل التمر بخل الزبيب بكل حال .

                                                                                                                                            وامتنع سائر أصحابنا من تخريج هذا القول ، وقالوا : إن الخل أجناس كأصوله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية