الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 4583 ] كتاب المرابحة

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

                                                                                                                                                                                        2 - (ق 4) نسخة القرويين رقم (368) [ ص: 4584 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 4585 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        صلى الله على سيدنا ومولانا محمد

                                                                                                                                                                                        وآله وصحبه وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب المرابحة

                                                                                                                                                                                        باب في البز يباع مرابحة، وقد اشتري من بلد آخر، أو يستأجر على شرائه وشده، أو كان رقيقا فأنفق عليه

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في البز يشترى، ثم يحمل من بلد إلى بلد، ثم يباع مرابحة: لا أرى أن يحمل عليه أجر السماسرة، ولا النفقة، ولا أجر الشد، ولا أجر الطي، ولا كراء بيت، ويحسب الحمل، ولا يحسب له ربح، إلا أن يعلم البائع المشتري بذلك كله، فإن ربحوه بعد العلم فلا بأس به، ويحسب القصارة والصبغ والخياطة، ويحمل عليها الربح كما يحمل على الثمن، فإن باع ولم يبين شيئا مما ذكرنا أنه لم يحسب له فيه ربح ولم يفت- فسخ، إلا أن يتراضيا على شيء مما يجوز بينهما.

                                                                                                                                                                                        فإن فات حسب الكراء، ولم يحسب له ربح، ويحسب نفقة الرقيق، ولا يحسب لها ربح، ولا يحسب ما أنفق التاجر على نفسه. يريد في الرقيق ما لم [ ص: 4586 ] تكن لهم غلة توفي بالنفقة، فإن كانت الغلة أقل حسب له ما عجز عنه، وإن كانت الغلة أكثر كان له ولم يحاسب بشيء، وحسب الحمل; لأنه مما لا يستبد من إخراج الثمن عنه، وهو يزيد في الثمن; لأن النقل من بلد أرخص إلى بلد أغلى، والمشتري يرغب في ذلك إذا علم به، ولو كان سعر البلدين سواء لم يحسب، ولو كان سعرها بالبلد الذي وصلت إليه أرخص وأسقط الكراء لم يبع حتى يبين.

                                                                                                                                                                                        ولم يحسب للحمل ربح; لأن المرابحة كانت لما وقع بها شراء الرقاب، ولم يحسب أجر السمسار; لأنه لا يزيد في الثمن وكثير من يتولى الشراء بنفسه، وكذلك الشد، وأصل ذلك أن كل ما دخل المشتري فيه على صفة، فتبين غيره فإنه لا يسقط مقال المشتري حتى يرد إلى ما دخل عليه وما فهمه وقت العقد.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: وتحسب القصارة والخياطة والصبغ، ويضرب الربح عليها؛ لأن هذه أعيان مشتراة مضافة إلى المبيع الأول، فأما القصارة فله أن يبيع ولا يبين، وأما الخياطة فلا أرى أن يبيع حتى يبين لوجهين: أحدهما: أن الناس يكرهون السوقي من المخيط، والثاني: أن المشتري يظن أنه اشترى مخيطا; لأن الشأن -فيما اشتري قائما ثم قطع وخيط- أنه يحط ثمنه، فالمشتري يظن أنه كان ذا ثمن فخسر فيه، إلا أن يكون المشتري ممن لا يخفى عليه ذلك، وليس عليه أن يبين في الصبغ إذا كان مما يشترى للصبغ، إلا أن يكون قد بار عليه وهو أبيض فصبغه لذلك فلا يبيع حتى يبين.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا باع ولم يبين في هذا وفي الخياطة، فأصل ابن القاسم أنها تكون [ ص: 4587 ] مسألة غش، فلا يلزم المشتري وإن حط عنه ذلك القدر، وعلى مذهب ابن سحنون أنها مسألة كذب، وإن حط عليه ذلك القدر لزمه.

                                                                                                                                                                                        والأصول التي تدور عليها مسائل هذا الكتاب سبع مسائل: مسألة كذب، مسألة غش، ومسألة عيب، ومسألة يجتمع فيها كذب وغش، ومسألة يجتمع فيها كذب وعيب، ومسألة يجتمع فيها عيب وغش، ومسألة يجتمع فيها كذب وغش وعيب، وبيان ذلك مذكور فيما بعد (إن شاء الله). [ ص: 4588 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية