الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الدم وغيره يكون في الثوب يصلي به الرجل قال : وقال مالك في الرجل يصلي وفي ثوبه دم يسير من دم حيضة أو غيره فيراه وهو في الصلاة قال : يمضي على صلاته ولا يبالي ألا ينزعه ولو نزعه لم أر به بأسا ، وإن كان دما كثيرا كان دم حيضة أو غيره نزعه واستأنف الصلاة من أولها بإقامة ، ولا يبني على شيء مما صلى وإن رأى بعدما فرغ أعاد ما دام في الوقت والدم كله عندي سواء دم الحيضة وغيره ، ودم الحوت عند مالك مثل جميع الدم ، قال : ويغسل قليل الدم وكثيره من الدم كله وإن كان دم ذباب رأيت أن يغسل .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن كان في نافلة فلما صلى ركعة رأى في ثوبه دما كثيرا أيقطع أم يمضي ؟ فإن قطع أيكون عليه قضاء أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يقطع ولا أرى عليه قضاء إلا أن يحب أن يصلي ، قال : فقيل لمالك : فدم البراغيث ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إن كثر ذلك وانتشر فأرى أن يغسل ، قال : والبول والرجيع والاحتلام والمذي وخرء الطير التي تأكل الجيف والدجاج التي تأكل النتن فإن قليل خرئها وكثيره سواء ، إن ذكر وهو في الصلاة وهو في ثوبه أو إزاره نزع وقطع الصلاة واستأنفها من أولها بإقامة جديدة كان مع الإمام أو وحده فإن صلاها أعادها ما دام في الوقت فإن ذهب الوقت فلا إعادة عليه ، قال : فقلت له : فإن رأى في ثوبه دما ما قبل أن يدخل في الصلاة فنسي حتى دخل في الصلاة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هو مثل هذا كله يفعل فيه كما يفعل فيما فسرت لك في هذا ، قال : وأرواث الدواب : الخيل والبغال والحمير أرى أن يفعل فيها كما يفعل في البول والرجيع والمذي يكون في الثوب ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ولا بأس ببول ما يؤكل لحمه مثل البعير والشاة والبقر .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في المني يصيب الثوب فيجف فيحته قال : لا يجزيه ذلك حتى يغسله .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك : ومن صلى وفي جسده دنس فهو بمنزلة من هو في ثوبه يصنع به كما يصنع من صلى وفي ثوبه دنس .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في دم البراغيث يكون في الثوب متفرقا قال : إذا تفاحش ذلك غسله فإن كان غير متفاحش ، فلا أرى به بأسا ، قال مالك : ودم الذباب يغسل ، قال : وما رأيت مالكا يفرق بين الدماء ولكنه يجعل دم كل شيء سواء ، وذلك أني كنت سألت ابن القاسم عن دم القراد والسمك والذباب فقال : ودم السمك أيضا يغسل . [ ص: 129 ] قال : وقال مالك في الثوب يكون فيه النجس قال : لا يطهره شيء إلا الماء وكذلك ، قال : فقلت لمالك : فالقطرة من الدم تكون في الثوب أيمجه بفيه أي يقلعه من ثوبه وينزعه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يكرهه لثوبه ويدخله في فيه فكره ذلك .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في الثوب يصيبه البول أو الاحتلام فيخطئ موضعه ولا يعرفه قال : يغسله كله .

                                                                                                                                                                                      قلت له : فإن عرف تلك الناحية ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يغسل تلك الناحية منه .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن شك فلم يستيقن أصابه أو لم يصبه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ينضحه بالماء ولا يغسله وذكر النضح ، فقال : هو الشأن وهو من أمر الناس ، قال : وهو طهور ولكل ما شك فيه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت ما تطاير علي من البول قدر رءوس الإبر هل تحفظ من مالك فيه شيئا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أما هذا بعينه مثل رءوس الإبر فلا ولكن قول مالك : يغسل قليل البول وكثيره .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في ثوبه دما في الصلاة فانصرف } .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب وقال ابن شهاب : القيح بمنزلة الدم في الثوب وهو نجس .

                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد والليث بن سعد مثله : يغسله بالماء .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة { أن خولة بنت يسار قالت : يا رسول الله أفرأيت إن لم يخرج الدم من الثوب ؟ قال : يكفيك الماء ولا يضرك أثره } .

                                                                                                                                                                                      قال مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن عمر بن الخطاب غسل الاحتلام من ثوبه .

                                                                                                                                                                                      قال ابن وهب عن الليث بن سعد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال فيمن أصاب ثوبه بول أو رجيع أو ساقه أو بعض جسده حتى صلى وفرغ قال : إن كان مما يكون من الناس فإنه يعيد صلاته وإن كان قد فات الوقت فلا يعيد .

                                                                                                                                                                                      وقال ابن شهاب فيمن صلى بثوب فيه احتلام مثل قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن ويونس ، وقال ربيعة في دم البراغيث يكون في الثوب : إذا تفاحشت منظرته أو تغير ريحه فاغسله ولا بأس به ما لم يتفاحش منظره ويظهره ريحه فلا بأس ما دمت تداري ذلك .

                                                                                                                                                                                      قال وكيع عن أفلح بن حميد عن أبيه قال : عرسنا مع ابن عمر بالأبواء ثم سرنا حين صلينا الفجر حتى ارتفع النهار فقلت لابن عمر : إني صليت في إزاري وفيه احتلام ولم أغسله ، فوقف علي ابن عمر فقال : انزل فاطرح إزارك وصل ركعتين وأقم الصلاة ثم صل الفجر ففعلت .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وإنما ذكرت هذا حجة على من زعم أنه لا يعيد في الوقت ، وقال ابن عمر وأبو هريرة في الثوب تصيبه الجنابة فلا يعرف موضعها يغسل الثوب كله من حديث ابن وهب .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية