الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في النهي عن البول قائما

                                                                                                          12 حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدا قال وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة قال أبو عيسى حديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبول قائما فقال يا عمر لا تبل قائما فما بلت قائما بعد قال أبو عيسى وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر رضي الله عنه ما بلت قائما منذ أسلمت وهذا أصح من حديث عبد الكريم وحديث بريدة في هذا غير محفوظ ومعنى النهي عن البول قائما على التأديب لا على التحريم وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( ثنا علي بن حجر ) بضم الحاء وسكون الجيم ابن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو . ثقة حافظ روى عن شريك وإسماعيل بن جعفر وهقل بن زياد وهشيم وخلائق ، وعنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ووثقه ، مات سنة 244 أربع وأربعين ومائتين ( أنا شريك ) ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، صدوق يخطئ كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة . كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة : روى عن زياد بن علاقة وزبيد وسلمة بن كهيل وسماك وخلق ، وعنه هشيم وعباد بن العوام وابن المبارك وعلي بن حجر وأمم . قال أحمد هو في أبي إسحاق أثبت من زهير ، وقال ابن معين ثقة يغلط ، وقال العجلي ثقة ، قال يعقوب بن سفيان ثقة سيئ الحفظ مات سنة 177 سبع وسبعين ومائة .

                                                                                                          ( عن المقدام ) بكسر الميم ( بن شريح ) بضم الشين مصغرا ابن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة ، روى عن أبيه وعن ابنه يزيد ومسعر وغيرهما وثقه أبو حاتم وأحمد والنسائي ( عن أبيه ) شريح بن هانئ أبي المقدام من كبار أصحاب علي ، روى عن أبيه وعمر وبلال وعنه ابنه المقدام والشعبي ، وثقه ابن معين وهو مخضرم .

                                                                                                          قوله : ( من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ) فيه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يبول قائما ، بل كان هديه في البول القعود . ولكن قول عائشة هذا لا ينفي إثبات من أثبت وقوع البول منه حال القيام كما سيأتي في الباب الذي بعده .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عمر وبريدة ) أما حديث عمر فأخرجه ابن ماجه والبيهقي ، وأما حديث بريدة فأخرجه البزار مرفوعا بلفظ : ثلاث من الجفاء : أن يبول الرجل قائما أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ في سجوده كذا في النيل . وفي الباب أيضا عن جابر قال : [ ص: 56 ] نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما . أخرجه ابن ماجه وفي إسناده عدي بن الفضل وهو متروك .

                                                                                                          قوله : ( حديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح ) حديث عائشة هذا أخرجه أيضا أحمد والنسائي وابن ماجه وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي . وقد عرفت أنه صدوق يخطئ كثيرا . وتغير حفظه منذ ولي الكوفة . قال الحافظ في الفتح : لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن البول قائما شيء كما بينته في أوائل شرح الترمذي . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قلت : فالمراد بقول الترمذي حديث عائشة أحسن شيء في هذا الباب وأصح أي هو أقل ضعفا وأرجح مما ورد في هذا الباب والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق إلخ ) أخرجه ابن ماجه والبيهقي من هذا الطريق .

                                                                                                          ( فما بلت قائما بعد ) بالبناء على الضم أي بعد ذلك .

                                                                                                          ( وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق ) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري نزيل مكة .

                                                                                                          ( وهو ضعيف عند أهل الحديث ) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري : عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري نزيل مكة ، متروك عند أئمة الحديث . انتهى .

                                                                                                          ( ضعفه أيوب السختياني ) بفتح المهملة بعدها معجمة ساكنة ثم مثناة فوقية مكسورة ثم تحتانية وآخره نون هو أيوب بن أبي تميمة كيسان البصري ، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء ، تقدم ترجمته في المقدمة .

                                                                                                          ( وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال عمر ما بلت قائما منذ أسلمت ) أخرجه البزار ، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : رجاله ثقات ، وهذا الأثر يدل على أن عمر ما بال قائما منذ أسلم . ولكن قال الحافظ في فتح الباري : قد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما . انتهى .

                                                                                                          ( وهذا ) أي حديث عمر الموقوف ( أصح من حديث عبد الكريم ) لضعفه ( وحديث بريدة في هذا غير محفوظ ) قال العيني في شرح البخاري : في قول الترمذي في هذا نظر لأن البزار أخرجه [ ص: 57 ] بسند صحيح ، قال حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود حدثنا سعيد بن عبيد الله حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من الجفاء أن يبول الرجل قائما الحديث ، وقال لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبد الله ، انتهى كلام العيني .

                                                                                                          قلت : الترمذي من أئمة هذا الشأن ، فقوله : حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه ، وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة لا ينافي كونه غير محفوظ .

                                                                                                          قوله : ( ومعنى النهي عن البول قائما على التأديب لا على التحريم ) يدل عليه حديث أبي حذيفة الآتي في الباب الذي بعده .

                                                                                                          ( وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال : إن من الجفاء ) قال في الصراح : جفا بالمد " بدي وستم " يقال جفوته فهو مجفو ولا تقل جفيت وفلان ظاهر الجفوة بالكسر أي ظاهر الجفاء . انتهى . وقال المناوي في شرح الجامع الصغير : الجفاء ترك البر والصلة وغلظ الطبع .

                                                                                                          ( وأنت قائم ) جملة حالية ، وهذا الأثر ذكره الترمذي هكذا معلقا ولم أقف على من وصله .




                                                                                                          الخدمات العلمية