الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 194 ] وممن توفى فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن نقطة الحافظ : محمد بن عبد الغني ، بن أبي بكر البغدادي ، أبو بكر بن نقطة ، الحافظ المحدث الفاضل ، صاحب الكتاب النافع المسمى بالتقييد في تراجم رواة الكتب والمشاهير من المحدثين ، وكان أبوه فقيها فقيرا منقطعا في بعض مساجد بغداد ، يؤثر أصحابه بما يحصل له . ونشأ ولده هذا ، فعني بعلم الحديث وسماعه والرحلة فيه إلى الآفاق شرقا وغربا ، حتى برز فيه على الأقران ، وفاق أهل ذلك الزمان والأوان ، ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة ، وتوفي يوم الجمعة الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة - رحمهم الله تعالى - .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الجمال عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي ، كان فاضلا كريما حييا ، سمع الكثير ، ثم خالط الملوك وأبناء الدنيا ، فتغيرت أحواله ، ومات ببستان ابن شكر عند الصالح إسماعيل بن العادل ، وهو الذي كفنه ، ودفن بسفح قاسيون - رحمه الله تعالى - .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي الحسن بن أبي بكر المبارك ، بن أبي عبد الله محمد [ ص: 195 ] بن يحيى بن مسلم الزبيدي ، ثم البغدادي ، كان شيخا صالحا حنفيا فاضلا ، ذا فنون كثيرة; ومن ذلك علم الفرائض والعروض ، وله فيه أرجوزة حسنة ، انتخب منها ابن الساعي من كل بحر بيتين ، وسرد ذلك في " تاريخه " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفتح مسعود بن إسماعيل ، بن علي بن موسى السلماسي ، فقيه أديب شاعر ، له تصانيف ، وقد شرح المقامات ، والجمل في النحو ، وله خطب وأشعار حسنة - رحمه الله تعالى - .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو بكر محمد بن عبد الوهاب ، بن عبد الله الأنصاري فخر الدين بن الشيرجي الدمشقي ، أحد المعدلين بها ، ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، وسمع الحديث ، وكان يلي ديوان الخاتون ست الشام بنت أيوب ، وفوضت إليه أمر أوقافها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال السبط : وكان ثقة أمينا كيسا متواضعا . قال : وقد وزر ولده شرف الدين للناصر داود مدة يسيرة ، وكانت وفاة فخر الدين في يوم عيد الأضحى ، ودفن بمقابر باب الصغير - رحمه الله تعالى وعفا عنه - .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 196 ] حسام بن غزي ، بن يونس عماد الدين أبو المناقب المحلي المصري ثم الدمشقي ، كان شيخا صالحا فاضلا فقيها شافعيا حسن المحاضرة ، وله أشعار حسنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو شامة : وله في معجم القوصي ترجمة حسنة ، وذكر أنه توفي عاشر ربيع الآخر ، ودفن بمقابر الصوفية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال السبط : وكان مقيما بالمدرسة الأمينية ، وكان لا يأكل لأحد شيئا ولا للسلطان ، بل إذا حضر طعاما كان معه في كمه شيء يأكله . وكان لا يزال معه ألف دينار على وسطه . وحكي عنه قال : خلع علي الملك العادل ليلة طيلسانا ، فلما خرجت مشى بين يدي نفاط يحسبني القاضي ، فلما وصلت إلى باب البريد عند دار سيف خلعت الطيلسان ، وجعلته في كمي ، وتباطأت في المشي ، فالتفت فلم ير وراءه أحدا ، فقال لي : أين القاضي؟ فأشرت إلى ناحية النورية ، وقلت : ذهب إلى داره . فلما أسرع إلى ناحية النورية هرولت إلى المدرسة [ ص: 197 ] الأمينية ، واسترحت منه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الساعي : كان مولده سنة ستين وخمسمائة ، وخلف أموالا كثيرة ، ورثتها عصبته . قال : وكانت له معرفة حسنة بالأخبار والتواريخ وأيام الناس ، مع دين وصلاح وورع ، وأورد له من شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قيل لي من هويت قد عبث الشع ر بخديه قلت ما ذاك عاره     جمر خديه أحرقت عنبر الخا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ل فمن ذلك الدخان عذاره

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شوقي إليكم دون أشواقكم     لكنه لابد ما يشرح
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لأنني عن قلبكم غائب     وأنتم في القلب لم تبرحوا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبد الله محمد بن علي ، بن محمد بن الجارود الماراني ، الفقيه الشافعي ، أحد الفضلاء ، ولي القضاء بإربل ، وكان ظريفا خليعا ، وكان من محاسن الأيام ، وله أشعار رائقة ومعان فائقة ، فمن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مشيب أتى وشباب رحل     فحل العناء به حيث حل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 198 ] وعمر تقضى بلا طاعة     فويحك يا نفس ما ذا الزلل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذنبك جم ألا فارجعي     وعودي فقد حان وقت الأجل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وديني الإله ولا تقصري     ولا يخدعنك طول الأمل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما لك غير التقى مستعد     ولا صاحب غير حسن العمل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الثناء محمود بن زاكي ، بن علي بن يحيى الطائي الرقي ، نزيل إربل ، وولي النظر بها للملك مظفر الدين ، وكان شيخا أديبا فاضلا ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأهيف ما الخطي إلا قوامه     وما الغصن إلا ما يثنيه لينه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما الدعص إلا ما تحمل خصره     وما النبل إلا ما تريش جفونه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما الخمر إلا ما يروق ثغره     وما السحر إلا ما تكن عيونه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما الحسن إلا كله فمن الذي     إذا ما رآه لا يزيد جنونه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن معطي النحوي يحيى ، ترجمه أبو شامة في السنة الماضية ، وهو أضبط; لأنه شهد جنازته بمصر ، وأما ابن الساعي فإنه ذكره في هذه السنة ، [ ص: 199 ] وقال : إنه كان حظيا عند الكامل محمد صاحب مصر ، وإنه كان قد نظم أرجوزة في القراءات السبع ، ونظم ألفاظ " الجمهرة " ، وكان قد عزم على نظم " صحاح الجوهري " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية