الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا "؛ وقد أفرد القرآن إسماعيل بالذكر; لأنه كان يقيم بالبلاد العربية؛ وأقام هو وأمه حول الكعبة؛ لسدانتها وحراستها؛ وإفراده بالذكر تشريف له وإكرام؛ فإذا كان أخوه إسحاق - عليه السلام - أبا أنبياء بني إسرائيل؛ الذين قاموا بتنفيذ التوراة وتفسيرها؛ فإن من ذرية إسماعيل - عليه السلام - خاتم النبيين؛ الذي جاء بالكتاب المهيمن على كل الكتب المنزلة؛ والذي فيه كل الأنبياء ومعجزاتهم. [ ص: 4659 ] والكتاب - كما ذكر - هو القرآن؛ وهو أكمل الكتب؛ كما نوهنا؛ ولأن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - فالكتاب يكون هو الكتاب الذي نزل عليه؛ وهو القرآن؛ وقد ذكرنا وجوه كماله؛ وأنه سجل الأنبياء وشرائعهم الباقية ومعجزاتهم؛ ولا ترى لها مصدرا متواترا صادقا سواه؛ كما ذكرنا.

                                                          وقد وصفه الله (تعالى) بأربعة أوصاف تدل على الكمال الإنساني؛ الذي لا يعلو عليه كمال؛ الوصف الأول: أنه كان صادق الوعد أي: إذا وعد لا يخيس؛ ولا يكذب؛ بل ينفذه؛ وكل الأنبياء كذلك؛ ولكن وصف الله به إسماعيل؛ لأنه كان أخص أوصافه؛ واشتهر به؛ فإن إبراهيم أباه عندما رأى الرؤيا بذبح إسماعيل؛ لم يجبن إسماعيل؛ بل قال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين ؛ وصدق وعده؛ فاستعد لأن يذبح؛ وقال الله (تعالى): يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ؛ فهو الذبيح الأول؛ وصدق الوعد؛ والوفاء به؛ والرضا بتنفيذه؛ وعدم الحيف فيه؛ وقد كان إسماعيل كذلك فيما وعد وأوفى.

                                                          الوصف الثاني: أنه كان "رسولا نبيا "؛ كما قال (تعالى): وكان رسولا نبيا فقد جاء بشرائع؛ ومنحه الله (تعالى) النبوة؛ فقد كان ينزل عليه الوحي؛ ويكلمه الله (تعالى) بإحدى طرق الكلام؛ كما قال (تعالى): وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ؛ وقد يقال: إن شريعته كانت شريعة أبيه إبراهيم؛ ونقول: إنه أرسل بها؛ ولا مانع من أن يخاطب بالشريعة الواحدة رسولان؛ وقد ذكر الله (تعالى) أن إبراهيم كان رسولا؛ وإسماعيل كان رسولا نبيا.

                                                          الوصف الثالث: وهو عملي؛ لأنه:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية