الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والمنكوحة نكاحا فاسدا والموطوءة بشبهة وأم الولد الحيض للموت وغيره ) أي : عدة هؤلاء ثلاث حيض في الحرة التي تحيض وحيضتان في الأمة ووضع الحمل إن كانت حاملا والأشهر إن كانت آيسة وتركه لظهوره وفهمه مما قدمه ، ولو صرح به لكان أولى وإنما كان كذلك ; لأنها وجبت لتعرف براءة الرحم لا لقضاء حق النكاح ; إذ لا نكاح صحيح والحيض هو المعرف وإنما لم يكتف بحيضة كالاستبراء ; لأن الفاسد ملحق بالصحيح وعدة الوفاة إنما وجبت لإظهار الحزن على فوات زوج عاشرها إلى الموت ولا زوجية وشمل قوله : " وغيره " الفرقة في النكاح الفاسد وهي إما بتفريق القاضي أو بالمتاركة وابتداؤها من وقت الفرقة ، وفي الموت من وقت الموت ودخل تحت النكاح الفاسد النكاح بغير شهود ونكاح المحارم مع العلم بعدم الحل عند الإمام خلافا لهما وقد مرت المسألة في كتاب النكاح ومثال الموطوءة بشبهة أن تزف إليه غير امرأته والموجودة ليلا على فراشه إذا دعاها فأجابته .

                                                                                        وفي كتب الشافعية إذا أدخلت منيا فرجها ظنته مني زوج أو سيد وجبت العدة عليها كالموطوءة بشبهة ولم أره لأصحابنا والقواعد لا تأباه ; لأن وجوبها لتعرف براءة الرحم كما سيأتي في الحدود ووجوبها بسبب أن الشبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط وإيجاب العدة من باب الاحتياط ولا حداد عليها في هذه العدة لما سيأتي ، وللموطوءة بشبهة أن تقيم مع زوجها الأول ونفقتها وسكناها على زوجها الأول ; لأن النكاح بينهما قائم إنما حرم الوطء وليس لها أن تخرج إلا بإذن زوجها الأول فإن أذن لها فلها أن تخرج وإن لم تنقض عدتها ذكره القاضي الإسبيجابي ومراده إذا لم تكن راضية بالوطء أما إذا كانت راضية عالمة فلا نفقة لها ولهذا قال في الخانية المنكوحة إذا تزوجت رجلا ودخل بها الثاني ثم فرق بينهما لا يجب على الزوج الأول نفقتها ما دامت في العدة ; لأنها لما وجبت العدة عليها صارت ناشزة ا هـ .

                                                                                        وقيد الوطء بشبهة ; لأنه لو تزوج امرأة الغير عالما بذلك ودخل بها لا تجب العدة عليها حتى لا يحرم على الزوج وطؤها وبه يفتى ; لأنه زنا والمزني بها لا تحرم على زوجها ، وفي شرح المنظومة إذا زنت المرأة لا يقربها زوجها حتى تحيض لاحتمال علوقها من الزنا فلا يسقي ماءه زرع غيره ا هـ .

                                                                                        ويجب حفظه لغرابته بخلاف ما إذا لم يعلم كما في الذخيرة والخانية ، وفي فتح القدير أول الباب فرع تنقضي عدة الطلاق البائن والثلاث بالوطء المحرم بأن وطئها وهي معتدة عالما بحرمتها بخلاف ما لو ادعى الشبهة أو كان منكرا طلاقها فإنها تستقبل العدة ا هـ .

                                                                                        والباء في قوله بالوطء المحرم بمعنى مع أي : مع الوطء المحرم كقولك اشتريت الفرس بسرجه هذا هو المراد وليس الوطء المحرم سببا لانقضاء ولا آلة له وقيد بالنكاح الفاسد ; لأن المنكوحة نكاحا موقوفا كنكاح الفضولي لا تجب فيه العدة قبل الإجازة ; لأن النسب لا يثبت فيه ; لأنه موقوف فلم ينعقد في حق حكمه فلا يؤثر شبهة الملك والحل والعدة وجبت صيانة [ ص: 152 ] للماء المحترم عن الخلط واحترازا عن اشتباه الأنساب كذا في الاختيار والمحيط وهو مشكل مخالف للرواية فقد نقل الزيلعي في النكاح الفاسد ما نصه وذكر في كتاب الدعوى من الأصل إذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها ودخل بها الزوج وولدت لستة أشهر منذ تزوجها فادعاه المولى والزوج فهو ابن الزوج فقد اعتبره من وقت النكاح لا من وقت الدخول ولم يحك خلافا قال الحلواني هذه المسألة دليل على أن الفراش ينعقد بنفس العقد في النكاح الفاسد خلافا لما يقوله البعض أنه لا ينعقد إلا بالدخول ا هـ .

                                                                                        فهو صريح في ثبوت النسب فيه ويتبعه وجوب العدة فكان ما في المحيط والاختيار سهوا ، وفي الخانية أم ولد تزوجت بغير إذن المولى فولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح فادعاه المولى والزوج فإن الولد يكون للزوج في قولهم جميعا ا هـ .

                                                                                        وأما عدة أم الولد فلأنها وجبت بزوال الفراش فأشبه عدة النكاح وفراش أم الولد وإن كان أضعف من فراش المنكوحة إلا أنهما يشتركان في أصل الفراش والمحل محل الاحتياط فألحق القاصر بالكامل احتياطا ، وفي كافي الحاكم لو أعتق أم ولده لا نفقة لها في عدته وإمامنا فيه عمر رضي الله عنه فإنه قال عدة أم الولد ثلاث حيض ودخل تحت قوله وغيره عتقها وهو مقيد بأن تكون من ذوات الحيض فإن كانت من ذوات الأشهر ومات مولاها أو أعتقها فعدتها ثلاثة أشهر كما ذكرناه وإن كانت حاملا فوضع الحمل كما في الخانية وبأن لا تكون منكوحة ولا معتدة لزوج فإن كانت لا عدة عليها من المولى إجماعا ; لأنه لا فراش لها من المولى ووجوب العدة بزواله والتحقيق أن يقال الشرط في وجوب عدة المولى أن لا تحرم عليه بسبب من الأسباب ، وأسباب الحرمة عليه ثلاثة نكاح الغير وعدته ، والثالث : تقبيل ابن المولى فلا عدة عليها بموت المولى أو إعتاقه بعد تقبيل ابنه كما في الخانية قال ولذا لو أتت بولد بعد حرمتها لستة أشهر لا يثبت نسبه ما لم يدعه ا هـ .

                                                                                        فلو طلقها بعد الإعتاق عليها عدة الحرائر وبانقضاء عدة النكاح تعود عدة المولى ثلاث حيض ، ولو مات المولى والزوج ولا يدرى الأول فهي على ثلاثة أوجه :

                                                                                        الأول : أن يعلم أن بين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر ; لأن المولى إن كان مات أولا ثم مات الزوج وهي حرة فلا يجب بموت المولى شيء وتعتد للوفاة عدة الحرة وإن كان الزوج مات أولا وهي أمة لزمها شهران وخمسة أيام ولا يلزمها بموت المولى شيء ; لأنها معتدة الزوج ففي حال يلزمها أربعة أشهر وعشر ، وفي حال نصفها فلزمها الأكثر احتياطا ولا تنتقل عدتها على الاحتمال الثاني لما قدمنا أنها لا تنتقل في الموت .

                                                                                        الثاني : أن يعلم أن بين موتيهما شهرين وخمسة أيام فعليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض احتياطا ; لأن المولى إن كان مات أولا لم تلزمها عدته ; لأنها منكوحة وبعد موت الزوج يلزمها أربعة أشهر وعشر ; لأنها حرة وإن مات الزوج أولا لزمها شهران وخمسة أيام وقد انقضت عدتها منه ; لأنها مصورة أن بينهما هذه أو أكثر فموت المولى بعده يوجب عليها ثلاث حيض فتجمع بينهما احتياطا .

                                                                                        الثالث : أن لا يعلم كم بين موتيهما ولا الأول منهما فكالأول عنده وكالثاني عندهما كذا في المعراج وغيره وقيد بأم الولد ; لأن المدبرة والأمة إذا أعتقت أو مات سيدها لا عدة عليهما بالإجماع كما ذكره الإسبيجابي ، وفي فروق الكرابيسي المعتدة في عدة الزوج تغسل زوجها ولا تغسل مولاها في عدته إذا كانت أم ولد ; لأنها ليست عدة النكاح بل هي استبراء ا هـ .

                                                                                        ومما يتعلق بأم الولد حكاية لطيفة ذكرها في المعراج لما أخرج شمس الأئمة من السجن زوج السلطان أمهات الأولاد من خدامه الأحرار فسأل العلماء عن هذه فقالوا نعم ما فعلت فقالشمس الأئمة له أخطأت ; لأن تحت كل خادم حرة وهذا تزوج الأمة على [ ص: 153 ] الحرة فقال السلطان أعتقهن وأجدد العقد فسأل العلماء فقالوا : نعم ما فعلت فقال شمس الأئمة له : أخطأت ; لأن العدة تجب عليهن بعد الإعتاق فكان تزويج المعتدة من الغير فأنسى الله تعالى العلماء الجواب في هاتين المسألتين ليظهر فضل شمس الأئمة ا هـ .

                                                                                        ولكن حكاها محب الدين بن الشحنة فيما كتبه على الهداية على غير هذا الوجه وهو أنه لما خطأه في الثانية أغراه عليه القاضي فحبسه وأن هذا كان سبب حبسه وأن القاضي حينئذ كان فخر الإسلام البزدوي وإن طلبته وعلماء عصره لا ينقطعون عنه ولا يتركون الاشتغال عليه فمنعوا عنه كتبه فأملى المبسوط من حفظه .

                                                                                        وقيل : كان سبب حبسه أن السلطان أراد أن يأخذ من الرعية مظلمة كبيرة ثم ترك بعضها فمدحه القاضي فأنكر عليه شمس الأئمة فقال لا يمدح إذا ترك جميعه فكيف بترك بعضه فحبسه وحكى شمس الأئمة في المبسوط واقعة مناسبة للموطوءة بشبهة دالة على أفضلية الإمام رضي الله تعالى عنه على علماء زمانه هي رجل زوج ابنيه بنتين وعمل الوليمة وجمع العلماء وفيهم أبو حنيفة رضي الله عنه لكنه لم يكن حينئذ من المشهورين ففي أثناء الليل سمعوا ولولة النساء فسألوا فأخبروا أنهن غلطن فأدخلت زوجة كل أخ على أخيه فسألوا العلماء فأجابوا بأن كل واحد يجتنبها حتى تنقضي عدتها فتعود إلى زوجها فعسر ذلك الجواب فقال الإمام رضي الله عنه : يطلق كل زوجته ويعقد على موطوءته ويدخل عليها للحال ; لأنه صاحب العدة بعد ما سأل كل واحد من الأخوين عن مراده فقال كل مرادي موطوءتي لا المعقود عليها فرجع العلماء إلى جوابه .

                                                                                        ثم رأيت بعد ذلك أن أعود إلى شرح المسألة الخلافية في أم الولد إذا لم تعلم كم بين موتهما توضيحا للطلاب فقال في شرح المجمع وقالا يجمع بين العدتين احتياطا وجواز أن يكون المولى مات أولا فعتقت ثم مات الزوج فوجب عليها عدة الوفاة لجواز أن يكون الزوج مات أولا وانقضت شهران وخمسة أيام ثم مات المولى فيجب ثلاث حيض ، وهذا ; لأن موت المولى سبب للاعتداد بثلاث حيض وقيام حق الزوج مانع وقد وقع الشك في بقاء المانع فوجب حكم السبب احتياطا لها كما لو تزوج بنتين في عقدة وثلاثا في عقدة وأربعا في عقدة ومات مجهلا فإن العدة تجب على الجميع لوجود السبب ووقوع الشك في المانع في حق التفريق وهو تقديم نكاح فريق آخر بخلاف ما إذا وقع الشك في السبب فإنه لا يحتاط لإثبات الحكم لتعذر ثبوت الحكم بدون السبب كما إذا قال إن لم أفعل كذا فأنت طالق ثم مات ولا يعلم وجد الشرط أم لا فإنها لا تعتد عدة الطلاق لوقوع الشك في السبب ; لأنه ينعقد عند وجود الشرط ووجوده مشكوك فيه وله أن الواقع ليس إلا للاحتمال إلا أن أحد الاحتمالين ثابت والاحتمال الآخر محتمل .

                                                                                        بيان هذا أن موت الزوج بعد المولى يوجب الاعتداد بعدة الوفاة قطعا ، وهذا الاحتمال ثابت واحتمال موت الزوج قبل موت المولى ليس بموجب للاعتداد بثلاث حيض قطعا لجواز أن يكون موت المولى بعد الزوج قبل انقضاء شهرين وخمسة أيام فلا يجب وجواز أن يكون بعد انقضاء هذه المدة فتجب فيها فالاحتمال ثابت على أحد التقديرين دون الآخر فكان الاحتمال الثابت قطعا قائما مقام الحقيقة عملا بالاحتياط ولا يقام احتمال وجوب العدة عن المولى ; لأن شبهة الشبهة ساقطة الاعتبار بالإجماع بخلاف وجوب العدة على أولئك النساء لثبوت احتمال وجوب العدة عليهن ; لأن نكاح كل فريق إما أن يكون متقدما أو لم يكن فإن تقدم وجبت العدة قطعا وإلا لا تجب قطعا فيكون الاحتمال ثابتا فيلحق بالحقيقة ا هـ .

                                                                                        وقال في فتح القدير بعد الدليلين ولا يخفى أنه مشترك الإلزام ، وفي الكافي للحاكم الشهيد قولهما احتياط ، وفي فتح القدير أن الاحتياط إنما يكون بعد ظهور السبب ; لأنه العمل بأقوى الدليلين ثم قال في الكافي ولا [ ص: 154 ] ميراث لها من زوجها ; لأني لم أعلم أنها كانت حرة يوم موته ا هـ

                                                                                        وفيه ولا فرق بين كون طلاقها رجعيا أو بائنا في الوجوه كلها وفيه أيضا لو مات عن أم ولده أو أعتقها فجاءت بولد ما بينها وبين سنتين لزمه وإن جاءت به لأكثر من سنتين لم يلزمه إلا أن يدعيه فإن ادعاه لزمه ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية أم ولد أعتقها مولاها أو مات ولزمتها العدة ثم تزوجت في العدة فجاءت بولد لسنتين من حين مات المولى أو أعتق ولستة أشهر منذ تزوجت وادعياه معا كان للمولى في قولهم لمكان العدة التي كانت .

                                                                                        [ ص: 151 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 151 ] ( قوله أو كان منكرا طلاقها إلخ ) قال في الفتح بعده وإذا كان منكرا حتى لم تنقض العدة ليس لها أن تطالبه بنفقة هذه العدة ولو طلقها في هذه العدة لا يقع ويحل نكاح أختها ا هـ . أي : ; لأنها عدة وطء لا طلاق




                                                                                        الخدمات العلمية