الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أمر ]

                                                          أمر : الأمر : معروف ، نقيض النهي . أمره به وأمره ; الأخيرة عن كراع ; وأمره إياه على حذف الحرف يأمره أمرا وإمارا فأتمر أي قبل أمره ; وقوله :


                                                          وربرب خماص يأمرن باقتناص



                                                          إنما أراد أنهن يشوقن من رآهن إلى تصيدها واقتناصها ، وإلا فليس لهن أمر . وقوله - عز وجل - : وأمرنا لنسلم لرب العالمين ; العرب تقول : أمرتك أن تفعل ولتفعل وبأن تفعل ، فمن قال : أمرتك بأن تفعل فالباء للإلصاق والمعنى وقع الأمر بهذا الفعل ، ومن قال : أمرتك أن تفعل فعلى حذف الباء ، ومن قال : أمرتك لتفعل فقد أخبرنا بالعلة التي لها وقع الأمر ، والمعنى أمرنا للإسلام . وقوله - عز وجل - : أتى أمر الله فلا تستعجلوه ; قال الزجاج : أمر الله ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم من أصناف العذاب ، والدليل على ذلك قوله - تعالى - : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور أي جاء ما وعدناهم به ; وكذلك قوله - تعالى - : [ ص: 150 ] أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ; وذلك أنهم استعجلوا العذاب واستبطئوا أمر الساعة ، فأعلم الله أن ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى : كما قال - عز وجل - : اقتربت الساعة وانشق القمر ; وكما قال تعالى : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر . وأمرته بكذا أمرا ، والجمع الأوامر . والأمير : ذو الأمر . والأمير : الآمر ; قال :


                                                          والناس يلحون الأمير إذا هم     خطئوا الصواب ولا يلام المرشد



                                                          وإذا أمرت من أمر قلت : مر ، وأصله أؤمر ، فلما اجتمعت همزتان وكثر استعمال الكلمة حذفت الهمزة الأصلية فزال الساكن فاستغني عن الهمزة الزائدة ، وقد جاء على الأصل . وفي التنزيل العزيز : وأمر أهلك بالصلاة وفيه : خذ العفو وأمر بالعرف . والأمر : واحد الأمور ; يقال : أمر فلان مستقيم وأموره مستقيمة . والأمر : الحادثة ، والجمع أمور ، لا يكسر على غير ذلك . وفي التنزيل العزيز : ألا إلى الله تصير الأمور . وقوله - عز وجل - : وأوحى في كل سماء أمرها ; قيل : ما يصلحها ، وقيل : ملائكتها ; كل هذا عن الزجاج ، والآمرة : الأمر ، وهو أحد المصادر التي جاءت على فاعلة كالعافية والعاقبة والجازية والخاتمة . وقالوا في الأمر : أومر ومر ونظيره كل وخذ قال ابن سيده : وليس بمطرد عند سيبويه . التهذيب : قال الليث : ولا يقال أومر ، ولا أوخذ منه شيئا ، ولا أوكل ، إنما يقال مر وكل وخذ في الابتداء بالأمر استثقالا للضمتين ، فإذا تقدم قبل الكلام واو أو فاء قلت : وأمر فأمر كما قال - عز وجل - : وأمر أهلك بالصلاة ; فأما كل من أكل يأكل فلا يكاد يدخلون فيه الهمزة مع الفاء والواو ، ويقولون : وكلا وخذا وارفعاه فكلاه ولا يقولون فأكلاه ; قال : وهذه أحرف جاءت عن العرب نوادر ، وذلك أن أكثر كلامها في كل فعل أوله همزة مثل أبل يأبل وأسر يأسر أن يكسروا يفعل منه ، وكذلك أبق يأبق ، فإذا كان الفعل الذي أوله همزة ويفعل منه مكسورا مردودا إلى الأمر قيل : إيسر يا فلان ، إيبق يا غلام ، وكأن أصله إأسر بهمزتين فكرهوا جمعا بين همزتين فحولوا إحداهما ياء إذا كان ما قبلها مكسورا ، قال : وكان حق الأمر من أمر يأمر أن يقال أؤمر أؤخذ أؤكل بهمزتين ، فتركت الهمزة الثانية وحولت واوا للضمة فاجتمع في الحرف ضمتان بينهما واو والضمة من جنس الواو فاستثقلت العرب جمعا بين ضمتين وواو فطرحوا همزة الواو لأنه بقي بعد طرحها حرفان فقالوا : مر فلانا بكذا وكذا ، وخذ من فلان وكل ، ولم يقولوا أكل ولا أمر ولا أخذ ، إلا أنهم قالوا في أمر يأمر إذا تقدم قبل ألف أمره واو أو فاء أو كلام يتصل به الأمر من أمر يأمر فقالوا : الق فلانا وأمره ، فردوه إلى أصله ، وإنما فعلوا ذلك لأن ألف الأمر إذا اتصلت بكلام قبلها سقطت الألف في اللفظ ، ولم يفعلوا ذلك في كل وخذ إذا اتصل الأمر بهما بكلام قبله فقالوا : الق فلانا وخذ منه كذا ، ولم نسمع وأوخذ كما سمعنا وأمر . قال الله - تعالى - : وكلا منها رغدا ولم يقل : وأكلا ; قال : فإن قيل لم ردوا مر إلى أصلها ولم يردوا وكلا ولا أوخذ ؟ قيل : لسعة كلام العرب ربما ردوا الشيء إلى أصله ، وربما بنوه على ما سبق ، وربما كتبوا الحرف مهموزا ، وربما تركوه على ترك الهمزة ، وربما كتبوه على الإدغام ، وكل ذلك جائز واسع ، قال الله - عز وجل - : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها قرأ أكثر القراء : أمرنا ، وروى خارجة عن نافع " آمرنا " ، بالمد ، وسائر أصحاب نافع رووه عنه مقصورا ، وروي عن أبي عمرو : " أمرنا " ، بالتشديد ، وسائر أصحابه رووه بتخفيف الميم وبالقصر ، وروى هدبة عن حماد بن سلمة عن ابن كثير : أمرنا ، وسائر الناس رووه عنه مخففا وروى سلمة عن الفراء من قرأ : أمرنا ، خفيفة ، فسرها بعضهم أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها ، وإن المترف إذا أمر بالطاعة خالف إلى الفسق . قال الفراء : وقرأ الحسن : آمرنا ، وروي عنه أمرنا ، قال : وروي عنه أنه بمعنى أكثرنا ، قال : ولا نرى أنها حفظت عنه لأنا لا نعرف معناها هاهنا . ومعنى آمرنا بالمد أكثرنا ; قال : وقرأ أبو العالية : " أمرنا مترفيها " ، وهو موافق لتفسير ابن عباس وذلك أنه قال : سلطنا رؤساءها ففسقوا . قال أبو إسحاق نحوا مما قال الفراء ، قال : من قرأ أمرنا ، بالتخفيف ، فالمعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا . فإن قال قائل : ألست تقول : أمرت زيدا فضرب عمرا ؟ والمعنى أنك أمرته أن يضرب عمرا فضربه ، فهذا اللفظ لا يدل على غير الضرب ; ومثله قوله : أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمرتك فعصيتني فقد علم أن المعصية مخالفة الأمر ، وذلك الفسق مخالفة أمر الله . وقرأ الحسن : أمرنا مترفيها على مثال علمنا ; قال ابن سيده : وعسى أن تكون هذه لغة ثالثة ; قال الجوهري : معناه أمرناهم بالطاعة فعصوا ; قال : وقد تكون من الإمارة ; قال : وقد قيل إن معنى أمرنا مترفيها كثرنا مترفيها ; قال : والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : خير المال سكة مأبورة أو مهرة مأمورة ; أي مكثرة . والعرب تقول : أمر بنو فلان أي كثروا . مهاجر عن علي بن عاصم : مهرة مأمورة أي نتوج ولود ; قال لبيد :


                                                          إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا     يوما يصيروا للهلك والنكد



                                                          ، وقال أبو عبيد في قوله : مهرة مأمورة : إنها الكثيرة النتاج والنسل ; قال : وفيها لغتان : قال أمرها الله فهي مأمورة ، وآمرها الله فهي مؤمرة ، قال غيره : إنما هو مهرة مأمورة للازدواج لأنهم أتبعوها " مأبورة " ، فلما ازدوج اللفظان جاءوا ب " مأمورة " على وزن " مأبورة " كما قالت العرب : إني آتيه بالغدايا والعشايا ، وإنما تجمع الغداة غدوات فجاءوا بالغدايا على لفظ العشايا تزويجا للفظين ، ولها نظائر . قال الجوهري : والأصل فيها مؤمرة على مفعلة ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ارجعن مأزورات غير مأجورات ; وإنما هو موزورات من الوزر فقيل " مأزورات " على لفظ " مأجورات " ليزدوجا . قال أبو زيد : مهرة مأمورة هي التي كثر نسلها ; يقولون : أمر الله المهرة أي كثر ولدها . وأمر القوم أي كثروا ; قال الأعشى :


                                                          طرفون ولادون كل مبارك     أمرون لا يرثون سهم القعدد



                                                          ويقال : أمرهم الله فأمروا أي كثروا ، وفيه لغتان : أمرها فهي مأمورة ، [ ص: 151 ] وآمرها فهي مؤمرة ; ومنه حديث أبي سفيان : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة وارتفع شأنه ; يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ومنه الحديث : أن رجلا قال له : ما لي أرى أمرك يأمر ؟ فقال : والله ليأمرن أي يزيد على ما ترى ; ومنه حديث ابن مسعود : كنا نقول في الجاهلية : قد أمر بنو فلان أي كثروا . وأمر الرجل ، فهو أمر : كثرت ماشيته . وآمره الله : كثر نسله وماشيته ، ولا يقال أمره ; فأما قوله : ومهرة مأمورة فعلى ما قد أنس به من الإتباع ، ومثله كثير ، وقيل : آمره وأمره لغتان . قال أبو عبيدة : آمرته بالمد ، وأمرته لغتان بمعنى كثرته . وأمر هو أي كثر فخرج على تقدير قولهم علم فلان وأعلمته أنا ذلك ; قال يعقوب : ولم يقله أحد غيره . قال أبو الحسن : أمر ماله ، بالكسر ، أي كثر . وأمر بنو فلان إيمارا : كثرت أموالهم . ورجل أمور بالمعروف ، وقد ائتمر بخير : كأن نفسه أمرته به فقبله . وتأمروا على الأمر وائتمروا : تماروا وأجمعوا آراءهم . وفي التنزيل : إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك قال أبو عبيدة : أي يتشاورون عليك ليقتلوك ; واحتج بقول النمر بن تولب :


                                                          أحار بن عمرو فؤادي خمر     ويعدو على المرء ما يأتمر



                                                          قال غيره : وهذا الشعر لامرئ القيس . والخمر : الذي قد خالطه داء أو حب . ويعدو على المرء ما يأتمر أي إذا ائتمر أمرا غير رشد عدا عليه فأهلكه . قال القتيبي : هذا غلط كيف يعدو على المرء ما شاور فيه والمشاورة بركة ، وإنما أراد يعدو على المرء ما يهم به من الشر . قال وقوله : إن الملأ يأتمرون بك أي يهمون بك ; وأنشد :


                                                          اعلمن أن كل مؤتمر     مخطئ في الرأي أحيانا



                                                          قال : يقول من ركب أمرا بغير مشورة أخطأ أحيانا . قال وقوله : وأتمروا بينكم بمعروف أي هموا به واعتزموا عليه ; قال : ولو كان كما قال أبو عبيدة لقال : يتأمرون بك . وقال الزجاج : معنى قوله : يأتمرون بك ; يأمر بعضهم بعضا بقتلك . قال أبو منصور : ائتمر القوم وتآمروا إذا أمر بعضهم بعضا ، كما يقال : اقتتل القوم وتقاتلوا واختصموا وتخاصموا ، ومعنى يأتمرون بك أي يؤامر بعضهم بعضا بقتلك وفي قتلك ; قال : وجائز أن يقال ائتمر فلان رأيه إذا شاور عقله في الصواب الذي يأتيه ، وقد يصيب الذي يأتمر رأيه مرة ويخطئ أخرى . قال : فمعنى قوله " يأتمرون بك " أي يؤامر بعضهم بعضا فيك أي في قتلك أحسن من قول القتيبي إنه بمعنى يهمون بك . قال : وأما قوله : وأتمروا بينكم بمعروف ; فمعناه - والله أعلم - ليأمر بعضكم بعضا بمعروف ، قال وقوله :


                                                          اعلمن أن كل مؤتمر



                                                          معناه أن من ائتمر رأيه في كل ما ينوبه يخطئ أحيانا ، قال العجاج :


                                                          لما رأى تلبيس أمر مؤتمر



                                                          تلبيس أمر أي تخليط أمر . مؤتمر أي اتخذ أمرا . يقال : بئسما ائتمرت لنفسك . قال شمر في تفسير حديث عمر - رضي الله عنه - : الرجال ثلاثة : رجل إذا نزل به أمر ائتمر رأيه ; قال شمر : معناه ارتأى وشاور نفسه قبل أن يواقع ما يريد ; قال وقوله :


                                                          اعلمن أن كل مؤتمر



                                                          أي كل من عمل برأيه فلا بد أن يخطئ الأحيان . قال وقوله : ولا يأتمر لمرشد أي لا يشاوره . ويقال ائتمرت فلانا في ذلك الأمر ، وائتمر القوم إذا تشاوروا ، وقال الأعشى :


                                                          فعادا لهن وزادا لهن     واشتركا عملا وأتمارا



                                                          قال : ومنه قوله :


                                                          لا يدري المكذوب كيف يأتمر



                                                          أي كيف يرتئي رأيا ويشاور نفسه ويعقد عليه ; قال أبو عبيد في قوله :


                                                          ويعدو على المرء ما يأتمر



                                                          معناه الرجل يعمل الشيء بغير روية ولا تثبت ولا نظر في العاقبة فيندم عليه . الجوهري : وائتمر الأمر أي امتثله ; قال امرؤ القيس :


                                                          ويعدو على المرء ما يأتمر



                                                          أي ما تأمره به نفسه فيرى أنه رشد فربما كان هلاكه في ذلك . ويقال : ائتمروا به إذا هموا به وتشاوروا فيه . والائتمار والاستئمار : المشاورة ، وكذلك التآمر ، على وزن التفاعل . والمؤتمر : المستبد برأيه ، وقيل : هو الذي يسبق إلى القول ; قال امرؤ القيس في رواية بعضهم :


                                                          أحار بن عمرو كأني خمر     ويعدو على المرء ما يأتمر



                                                          ويقال : بل أراد أن المرء يأتمر لغيره بسوء فيرجع وبال ذلك عليه . وآمره في أمره ووامره واستأمره : شاوره . قال غيره : آمرته في أمري مؤامرة إذا شاورته ، والعامة تقول : وأمرته . وفي الحديث : أميري من الملائكة جبريل أي صاحب أمري ووليي . وكل من فزعت إلى مشاورته ومؤامرته ، فهو أميرك ; ومنه حديث عمر : الرجال ثلاثة : رجل إذا نزل به أمر ائتمر رأيه أي شاور نفسه وارتأى فيه قبل مواقعة الأمر ، وقيل : المؤتمر الذي يهم بأمر يفعله ; ومنه الحديث الآخر : لا يأتمر رشدا أي لا يأتي برشد من ذات نفسه . ويقال لكل من فعل فعلا من غير مشاورة : ائتمر ، كأن نفسه أمرته بشيء فأتمر أي أطاعها ; ومن المؤامرة المشاورة ، في الحديث : آمروا النساء في أنفسهن أي شاوروهن في تزويجهن . قال : ويقال فيه وأمرته ، وليس بفصيح . قال : وهذا أمر ندب وليس بواجب مثل قوله : البكر تستأذن ، ويجوز أن يكون أراد به الثيب دون البكر ، فإنه لا بد من إذنهن في النكاح ، فإن في ذلك بقاء لصحبة الزوج إذا كان بإذنها . ومنه حديث عمر : آمروا النساء في بناتهن ، هو من جهة استطابة أنفسهن وهو أدعى للألفة ، وخوفا من وقوع الوحشة بينهما ، إذا لم يكن برضا الأم إذ البنات إلى الأمهات أميل وفي سماع قولهن أرغب ، ولأن المرأة ربما علمت من حال بنتها الخافي عن أبيها أمرا لا يصلح معه النكاح ، من علة تكون بها ، أو سبب يمنع من وفاء حقوق النكاح ، وعلى نحو من هذا يتأول قوله : لا تزوج البكر إلا بإذنها ، وإذنها سكوتها لأنها قد تستحي أن تفصح بالإذن وتظهر الرغبة في النكاح ، فيستدل بسكوتها على [ ص: 152 ] رضاها وسلامتها من الآفة . وقوله في حديث آخر : البكر تستأذن والثيب تستأمر ، لأن الإذن يعرف بالسكوت والأمر لا يعرف إلا بالنطق . وفي حديث المتعة : فآمرت نفسها أي شاورتها واستأمرتها . ورجل إمر وإمرة وأمارة : يستأمر كل أحد في أمره . والأمير : الملك لنفاذ أمره بين الإمارة والأمارة ، والجمع أمراء . وأمر علينا يأمر أمرا وأمر وأمر : كولي ; قال : قد أمر المهلب فكرنبوا ودولبوا وحيث شئتم فاذهبوا . وأمر الرجل يأمر إمارة إذا صار عليهم أميرا . وأمر أمارة إذا صير علما . ويقال : ما لك في الإمرة والإمارة خير ، بالكسر . وأمر فلان إذا صير أميرا . وقد أمر فلان وأمر ، بالضم ، أي صار أميرا ، والأنثى بالهاء ; قال عبد الله بن همام السلولي :


                                                          ولو جاءوا برملة أو بهند     لبايعنا أميرة مؤمنينا



                                                          والمصدر الإمرة والإمارة بالكسر . وحكى ثعلب عن الفراء : كان ذلك إذ أمر علينا الحجاج ، بفتح الميم ، وهي الإمرة . وفي حديث علي - رضي الله عنه - : أما إن له إمرة كلعقة الكلب لبنه ; الإمرة ، بالكسر : الإمارة ; ومنه حديث طلحة : لعلك ساءتك إمرة ابن عمك . قالوا : عليك أمرة مطاعة ففتحوا . التهذيب : ويقال : لك علي أمرة مطاعة ، بالفتح لا غير ، ومعناه لك علي أمرة أطيعك فيها ، وهي المرة الواحدة من الأمور ، ولا تقل : إمرة ، بالكسر ، إنما الإمرة من الولاية . والتأمير : تولية الإمارة . وأمير مؤمر : مملك . وأمير الأعمى : قائده لأنه يملك أمره ; ومنه قول الأعشى :


                                                          إذا كان هادي الفتى في البلا     د صدر القناة أطاع الأميرا



                                                          وأولو الأمر : الرؤساء وأهل العلم . وأمر الشيء أمرا وأمرة ، فهو أمر : كثر وتم ; قال :


                                                          أم عيال ضنؤها غير أمر



                                                          والاسم : الإمر . وزرع أمر : كثير ; عن اللحياني . ورجل أمر : مبارك يقبل عليه المال . وامرأة أمرة : مباركة على بعلها ، وكله من الكثرة . قالوا : في وجه مالك تعرف أمرته ، وهو الذي تعرف فيه الخير من كل شيء . وأمرته : زيادته وكثرته . وما أحسن أمارتهم أي ما يكثرون ويكثر أولادهم وعددهم . الفراء : تقول العرب : في وجه المال الأمر تعرف أمرته أي زيادته ونماءه ونفقته . تقول : في إقبال الأمر تعرف صلاحه . والأمرة : الزيادة والنماء والبركة . ويقال : لا جعل الله فيه أمرة أي بركة ; من قولك : أمر المال إذا كثر . قال : ووجه الأمر أول ما تراه ، وبعضهم يقول : تعرف أمرته من أمر المال إذا كثر . وقال أبو الهيثم : تقول العرب : في وجه المال تعرف أمرته أي نقصانه ; قال أبو منصور : والصواب ما قال الفراء في الأمر أنه الزيادة . قال ابن بزرج : قالوا في وجه مالك تعرف أمرته أي يمنه ، وأمارته مثله وأمرته . ورجل أمر وامرأة أمرة إذا كانا ميمونين . والإمر : الصغير من الحملان أولاد الضأن ، والأنثى إمرة ، وقيل : هما الصغيران من أولاد المعز . والعرب تقول للرجل إذا وصفوه بالإعدام : ما له إمر ولا إمرة أي ما له خروف ولا رخل ، وقيل : ما له شيء . والإمر : الخروف : والإمرة : الرخل ، والخروف ذكر ، والرخل أنثى . قال الساجع : إذا طلعت الشعرى سفرا فلا تغذون إمرة ولا إمرا . ورجل إمر وإمرة : أحمق ضعيف لا رأي له ، وفي التهذيب : لا عقل له إلا ما أمرته به لحمقه ، مثال إمع وإمعة ; قال امرؤ القيس :


                                                          وليس بذي ريثة إمر     إذا قيد مستكرها أصحبا



                                                          ويقال : رجل إمر لا رأي له فهو يأتمر لكل آمر ويطيعه . وأنشد شمر : إذا طلعت الشعرى سفرا فلا ترسل فيها إمرة ولا إمرا ; قال : معناه لا ترسل في الإبل رجلا لا عقل له يدبرها . وفي حديث آدم - عليه السلام - : من يطع إمرة لا يأكل ثمرة . الإمرة ، بكسر الهمزة وتشديد الميم : تأنيث الإمر ، وهو الأحمق الضعيف الرأي الذي يقول لغيره : مرني بأمرك ، أي من يطع امرأة حمقاء يحرم الخير . قال : وقد تطلق الإمرة على الرجل ، والهاء للمبالغة . يقال : رجل إمعة . والإمرة أيضا : النعجة وكنى بها عن المرأة كما كني عنها بالشاة . قال ثعلب في قوله : رجل إمر . قال : يشبه بالجدي . والأمر : الحجارة ، واحدتها أمرة قال أبو زبيد من قصيدة يرثي فيها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - :


                                                          يا لهف نفسي إن كان الذي زعموا     حقا وماذا يرد اليوم تلهيفي ؟
                                                          إن كان عثمان أمسى فوقه أمر     كراقب العون فوق القبة الموفي



                                                          والعون : جمع عانة ، وهي حمر الوحش ، ونظيرها من الجمع قارة وقور ، وساحة وسوح . وجواب إن الشرطية أغنى عنه ما تقدم في البيت الذي قبله ; وشبه الأمر بالفحل يرقب عون أتنه . والأمر ، بالتحريك : جمع أمرة ، وهي العلم الصغير من أعلام المفاوز من حجارة ، وهو يفتح الهمزة والميم . قال الفراء : يقال ما بها أمر أي علم . وقال أبو عمرو : الأمرات الأعلام ، واحدتها أمرة . قال غيره : وأمارة مثل أمرة ، قال حميد :


                                                          بسواء مجمعة كأن أمارة     منها إذا برزت فنيق يخطر



                                                          وكل علامة تعد فهي أمارة . وتقول : هي أمارة ما بيني وبينك أي علامة ; وأنشد :


                                                          إذا طلعت شمس النهار فإنها     أمارة تسليمي عليك فسلمي



                                                          ابن سيده : والأمرة العلامة ، والجمع كالجمع والأمار : الوقت والعلامة ; قال العجاج :


                                                          إذ ردها بكيده فارتدت     إلى أمار وأمار مدتي



                                                          قال ابن بري : وصواب إنشاده وأمار مدتي بالإضافة ، والضمير المرتفع في ردها يعود على الله تعالى ، والهاء في ردها أيضا ضمير نفس العجاج ; يقول : إذ رد الله نفسي بكيده وقوته إلى وقت انتهاء مدتي . [ ص: 153 ] وفي حديث ابن مسعود : ابعثوا بالهدي واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار ; الأمار والأمارة : العلامة ، وقيل : الأمار جمع الأمارة ; ومنه الحديث الآخر : فهل للسفر أمارة ؟ والأمرة : الرابية ، والجمع أمر . والأمارة والأمار : الموعد والوقت المحدود ; وهو أمار لكذا أي علم . وعم ابن الأعرابي بالأمارة الوقت فقال : الأمارة الوقت ، ولم يعين أمحدود أم غير محدود ؟ ابن شميل : الأمرة مثل المنارة ، فوق الجبل ، عريض مثل البيت وأعظم وطوله في السماء أربعون قامة صنعت على عهد عاد وإرم ، وربما كان أصل إحداهن مثل الدار ، وإنما هي حجارة مكومة بعضها فوق بعض ، قد ألزق ما بينها بالطين وأنت تراها كأنها خلقة . الأخفش : يقال أمر أمره يأمر أمرا أي اشتد ، والاسم الإمر ، بكسر الهمزة ، قال الراجز :


                                                          قد لقي الأقران مني نكرا     داهية دهياء إدا إمرا



                                                          ويقال عجبا . وأمر إمر : عجب منكر . وفي التنزيل العزيز : لقد جئت شيئا إمرا ; قال أبو إسحاق : أي جئت شيئا عظيما من المنكر ، وقيل : الإمر ، بالكسر ، الأمر العظيم الشنيع ، وقيل : العجيب ، قال : و " نكرا " أقل من قوله " إمرا " ، لأن تغريق من في السفينة أنكر من قتل نفس واحدة ; قال ابن سيده : وذهب الكسائي إلى أن معنى إمرا شيئا داهيا منكرا عجبا ، واشتقه من قولهم أمر القوم إذا كثروا . وأمر القناة : جعل فيها سنانا . والمؤمر : المحدد ، وقيل : الموسوم . وسنان مؤمر أي محدد ; قال ابن مقبل :


                                                          وقد كان فينا من يحوط ذمارنا     ويحذي الكمي الزاعبي المؤمرا



                                                          والمؤمر أيضا : المسلط . وتأمر عليهم أي تسلط . قال خالد في تفسير " الزاعبي المؤمرا " ، قال : هو المسلط . والعرب تقول : أمر قناتك أي اجعل فيها سنانا . والزاعبي : الرمح الذي إذا هز تدافع كله كأن مؤخره يجري في مقدمه ; ومنه قيل : مر يزعب بحمله إذا كان يتدافع ; حكاه عن الأصمعي . ويقال : فلان أمر وأمر عليه إذا كان واليا ، وقد كان سوقة أي أنه مجرب . وما بها أمر أي ما بها أحد . وأنت أعلم بتامورك ; تاموره : وعاؤه ، يريد أنت أعلم بما عندك وبنفسك . وقيل : التامور النفس وحياتها ، وقيل العقل . والتامور أيضا : دم القلب وحبته وحياته ، وقيل : هو القلب نفسه ، وربما جعل خمرا ، وربما جعل صبغا على التشبيه . والتامور : الولد . والتامور : وزير الملك . والتامور : ناموس الراهب . والتامورة : عريسة الأسد ، وقيل : أصل هذه الكلمة سريانية ، والتامورة : الإبريق ; قال الأعشى :


                                                          وإذا لها تامورة مرفوعة     لشرابها . . . . . .



                                                          والتامورة : الحقة . والتاموري والتأمري والتؤمري : الإنسان ; وما رأيت تامريا أحسن من هذه المرأة . وما بالدار تأمور أي ما بها أحد . وما بالركية تامور ، يعني الماء ; قال أبو عبيد : وهو قياس على الأول ; قال ابن سيده : وقضينا عليه أن التاء زائدة في هذا كله لعدم فعلول في كلام العرب . والتامور : من دواب البحر ، وقيل : هي دويبة . والتامور : جنس من الأوعال أو شبيه بها له قرن واحد متشعب في وسط رأسه . وآمر : السادس من أيام العجوز ، ومؤتمر : السابع منها ; قال أبو شبل الأعرابي :


                                                          كسع الشتاء بسبعة غبر     بالصن والصنبر والوبر
                                                          وبآمر وأخيه مؤتمر     ومعلل وبمطفئ الجمر



                                                          كأن الأول منهما يأمر الناس بالحذر ، والآخر يشاورهم في الظعن أو المقام ، وأسماء أيام العجوز مجموعة في موضعها . قال الأزهري : قال البستي : سمي أحد أيام العجوز آمرا لأنه يأمر الناس بالحذر منه ، وسمي الآخر مؤتمرا . قال الأزهري : وهذا خطأ ، وإنما سمي آمرا لأن الناس يؤامر فيه بعضهم بعضا للظعن أو المقام فجعل المؤتمر نعتا لليوم ; والمعنى أنه يؤتمر فيه كما يقال ليل نائم ينام فيه ، ويوم عاصف تعصف فيه الريح ، ونهار صائم إذا كان يصوم فيه ، ومثله كثير في كلامهم ولم يقل أحد ولا سمع من عربي ائتمرته أي آذنته فهو باطل . ومؤتمر والمؤتمر : المحرم ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          نحن أجرنا كل ذيال قتر     في الحج من قبل دآدي المؤتمر



                                                          أنشده ثعلب ، قال : القتر المتكبر . والجمع مآمر ومآمير . قال ابن الكلبي : كانت عاد تسمي المحرم مؤتمرا ، وصفر ناجرا ، وربيعا الأول خوانا ، وربيعا الآخر بصانا ، وجمادى الأولى ربى ، وجمادى الآخر حنينا ، ورجب الأصم ، وشعبان عاذلا ، ورمضان ناتقا ، وشوالا وعلا ، وذا القعدة ورنة ، وذا الحجة برك . وإمرة : بلد ، قال عروة بن الورد :


                                                          وأهلك بين إمرة وكير



                                                          ووادي الأمير : موضع ; قال الراعي :


                                                          وافزعن في وادي الأمير بعدما     كسا البيد سافي القيظة المتناصر



                                                          ويوم المأمور : يوم لبني الحارث بن كعب على بني دارم ; وإياه عنى الفرزدق بقوله :


                                                          هل تذكرون بلاءكم يوم الصفا     أو تذكرون فوارس المأمور ؟



                                                          وفي الحديث ذكر أمر ، وهو بفتح الهمزة والميم ، موضع من ديار غطفان خرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجمع محارب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية