الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 611 ] ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

                                                                                                                                                                                                الضمير في "ليسوا" لأهل الكتاب، أي: ليس أهل الكتاب مستوين، وقوله: من أهل الكتاب أمة قائمة كلام مستأنف لبيان قوله ليسوا سواء : كما وقع قوله: تأمرون بالمعروف [آل عمران : 110] بيانا لقوله: كنتم خير أمة .

                                                                                                                                                                                                أمة قائمة مستقيمة عادلة، من قولك: أقمت العود فقام، بمعنى استقام، وهم الذين أسلموا منهم، وعبر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل مع السجود; لأنه أبين لما يفعلون، وأدل على حسن صورة أمرهم، وقيل: عنى صلاة العشاء; لأن أهل الكتاب لا يصلونها.

                                                                                                                                                                                                وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: "أما إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم"، وقرأ هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                [ ص: 612 ] وقوله: "يتلون" و"يؤمنون" في محل الرفع صفتان لـ(أمة) أي: أمة قائمة تالون مؤمنون، وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين، ومن الإيمان بالله; لأن إيمانهم به كلا إيمان لإشراكهم به عزيرا، وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض، ومن الإيمان باليوم الآخر; لأنهم يصفونه بخلاف صفته، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; لأنهم كانوا مداهنين، ومن المسارعة في الخيرات; لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها، والمسارعة في الخير فرط الرغبة فيه; لأن من رغب في الأمر سارع في توليه والقيام به وآثر الفور على التراخي .

                                                                                                                                                                                                "وأولئك" الموصوفون بما وصفوا به "من" جملة "الصالحين" الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم واستحقوا ثناءه عليهم، ويجوز أن يريد بالصالحين المسلمين فلن يكفروه لما جاء وصف الله عز وعلا بالشكر في قوله: والله شكور حليم [التغابن: 17] في معنى توفيه الثواب نفي عنه نقيض ذلك.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: لم عدي إلى مفعولين، وشكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد، تقول شكر النعمة وكفرها؟ قلت: ضمن معنى الحرمان، فكأنه قيل: فلن تحرموه، بمعنى فلن تحرموا جزاءه، وقرئ (يفعلوا)، (ويكفروه) بالياء والتاء والله عليم بالمتقين بشارة للمتقين بجزيل الثواب، ودلالة على أنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية