الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر ما جرى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان قد عهد لولده العادل - وكان صغيرا - بالديار المصرية وبالبلاد الشامية ، ولولده الصالح أيوب ببلاد الجزيرة ، فأمضى الأمراء ذلك ، فأما دمشق فاختلف الأمراء بها في الملك الناصر داود بن المعظم ، والملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود بن الملك العادل ، فكان ميل عماد الدين بن الشيخ إلى الجواد ، وآخرون إلى الناصر ، وكان نازلا بدار أسامة ، فانتظم أمر الجواد ، وجاءت الرسالة إلى الناصر أن اخرج من البلد ، فركب من دار أسامة ، والعامة من داره إلى [ ص: 238 ] القلعة لا يشكون في ولايته الملك ، فسلك نحو القلعة ، فلما جاوز العمادية عطف برأس فرسه نحو باب الفرج ، فصرخت العامة : لا ، لا ، لا . فسار حتى نزل القابون عند وطأة برزة . فعزم بعض الأمراء الأشرفية على مسكه ، فساق فبات بقصر أم حكيم ، وساقوا وراءه ، فتقدم إلى عجلون ، فتحصن بها وأمن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما الجواد فإنه ركب في أبهة الملك ، وأنفق الأموال والخلع على الأمراء . قال السبط : فرق ستة آلاف ألف دينار وخمسة آلاف خلعة ، وأبطل المكوس والخمور ، ونفى الخواطئ ، واستقر ملكه بدمشق ، واجتمع عليه الأمراء الشاميون والمصريون ، ورحل الناصر داود من عجلون نحو غزة وبلاد الساحل ، فاستحوذ عليها ، فركب الجواد في طلبه ، ومعه العساكر الشامية والمصرية ، وقال للأشرفية : كاتبوه وأطمعوه . فلما وصلت إليه كتبهم طمع في موافقتهم ، فرجع في سبعمائة راكب إلى نابلس ، فقصده الجواد وهو نازل على جينين ، والناصر على سبسطية ، فهرب منه الناصر ، فاستحوذوا على حواصله وأثقاله ، فاستغنوا بها ، وافتقر بسببها فقرا مدقعا ، ورجع الناصر إلى الكرك جريدة قد سلب أمواله وأثقاله ، وعاد الجواد إلى دمشق مؤيدا منصورا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها اختلفت الخوارزمية على الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل صاحب كيفا وتلك النواحي ، وعزموا على القبض عليه ، فهرب منهم ونهبوا أمواله وأثقاله ، ولجأ إلى سنجار ، فقصده بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل [ ص: 239 ] ليحاصره ويأخذه في قفص إلى الخليفة ، وكان أهل تلك الناحية يكرهون مجاورته لكبره وقوة سطوته ، فلم يبق إلى أخذه إلا القليل ، فكاتب الخوارزمية ، واستنجد بهم ، وخضع لهم ، ووعدهم بأشياء كثيرة ، فقدموا إليه جرائد ليمنعوه من البدر لؤلؤ ، فلما أحس بهم لؤلؤ هرب منهم ، فاستحوذوا على أمواله وأثقاله ، فوجدوا فيها شيئا كثيرا لا يحد ولا يوصف ، ورجع إلى بلده الموصل جريدة خائبا ، وسلم الصالح أيوب مما كان فيه من الشدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية