الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون

                                                                                                                                                                                                                                        قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فيه قولان: أحدهما: أنه سنن من الله في الأمم السالفة أهلكهم بها. والثاني: يعني أنهم أهل سنن كانوا عليها في الخير والشر ، وهو قول الزجاج ، وأصل السنة الطريقة المتبعة في الخير والشر ، ومنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لبيد بن ربيعة:


                                                                                                                                                                                                                                        من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامها



                                                                                                                                                                                                                                        وقال سليمان بن فيد:


                                                                                                                                                                                                                                        فإن الألى بالطف من آل هاشم     تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 426 ]

                                                                                                                                                                                                                                        هذا بيان للناس فيه قولان: أحدهما: أنه القرآن ، وهذا قول الحسن ، وقتادة . والثاني: أنه ما تقدم ذكره في قوله تعالى: قد خلت من قبلكم سنن الآية ، وهذا قول ابن إسحاق. وهدى وموعظة للمتقين نور وأدب. إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله يعني أن يصيبكم قرح ، قرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي بضم القاف ، وقرأ الباقون بفتحها ، وفيها قولان: أحدهما: أنها لغتان ومعناهما واحد. والثاني: أن القرح بالفتح: الجراح ، وبالضم ألم الجراح ، وهو قول الأكثرين. وأما الفرق بين المس واللمس فهو أن اللمس مباشرة بإحساس ، والمس مباشرة بغير إحساس ، وهذا ما ذكره الله تعالى للمؤمنين تسلية لهم فإن أصابهم يوم أحد قرح فقد أصاب المشركين يوم بدر مثله. وتلك الأيام نداولها بين الناس قال الحسن ، وقتادة: أي تكون مرة لفرقة ، ومرة عليها والدولة: الكرة ، يقال: أدال الله فلانا من فلان بأن جعل الكرة له عليه. وليمحص الله الذين آمنوا فيه ثلاثة أقوال: أحدها: معناه ليبتلي ، وهذا قول ابن عباس . والثاني: يعني بالتمحيص تخليصه من الذنوب ، وهو قول أبي العباس والزجاج ، أصل التمحيص عندهما التخليص. والثالث: معناه وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا ، وهو قول الفراء. ويمحق الكافرين قال ابن عباس : ينقصهم. [ ص: 427 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه قيل: تمنى الموت بالجهاد من لم يحضر بدرا ، فلما كان أحد أعرض كثير منهم فعاتبهم الله تعالى على ذلك ، هكذا قال الحسن وقتادة ومجاهد. فقد رأيتموه وأنتم تنظرون فيه قولان: أحدهما: يعني فقد علمتموه. والثاني: فقد رأيتم أسبابه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية