الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين

لما كانت آية عيسى العظمى في ذاته في كيفية تكوينه كان الاهتمام بذكرها هنا ، ولم تذكر رسالته ; لأن معجزة تخليقه دالة على صدق رسالته . وأما قوله : ( وأمه ) فهو إدماج لتسفيه اليهود فيما رموا به مريم عليها السلام فإن ما جعله الله آية لها ولابنها جعلوه مطعنا ومغمزا فيهما .

[ ص: 67 ] وتنكير ( آية ) للتعظيم ; لأنها آية تحتوي على آيات . ولما كان مجموعها دالا على صدق عيسى في رسالته جعل مجموعها آية عظيمة على صدقه كما علمت .

وأما قوله : وآويناهما إلى ربوة فهو تنويه بهما إذ جعلهما الله محل عنايته ومظهر قدرته ولطفه .

والإيواء : جعل الغير آويا ، أي : ساكنا . وتقدم عند قوله : أو آوي إلى ركن شديد في سورة هود وعند قوله : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء في سورة هود .

والربوة بضم الراء : المرتفع من الأرض . ويجوز في الراء الحركات الثلاث . وتقدم في قوله تعالى : كمثل جنة بربوة في البقرة . والمراد بهذا الإيواء وحي الله لمريم أن تنفرد بربوة حين اقترب مخاضها لتلد عيسى في منعزل من الناس حفظا لعيسى من أذاهم .

والقرار : المكث في المكان ، أي : هي صالحة لأن تكون قرارا ، فأضيفت الربوة إلى المعنى الحاصل فيها لأدنى ملابسة وذلك بما اشتملت عليه من النخيل المثمر فتكون في ظله ولا تحتاج إلى طلب قوتها .

والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض ، وهو وصف جرى على موصوف محذوف ، أي : ماء معين ، لدلالة الوصف عليه كقوله : حملناكم في الجارية . وهذا في معنى قوله في سورة مريم : قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية