الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 214 ] الضيافة مع الجزية

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : لست أثبت من جعل عمر عليه الضيافة ثلاثا ولا من جعل عليه يوما وليلة ولا من جعل عليه الجزية ولم يسم عليه ضيافة بخبر عامة ولا خاصة يثبت ولا أحد الذين ولوا الصلح عليها بأعيانهم لأنهم قد ماتوا كلهم وأي قوم من أهل الذمة اليوم أقروا أو قامت على أسلافهم بينة بأن صلحهم كان على ضيافة معلومة وأنهم رضوها بأعيانهم ألزموها ولا يكون رضاهم الذي ألزموه إلا بأن يقولوا صالحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا وإن قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح لم ألزمهموه وأحلفهم ما ضيفوا على إقرار بصلح وكذلك إن أعطوا كثيرا أحلفتهم ما أعطوه على إقرار بصلح فإذا حلفوا جعلتهم كقوم ابتدأت أمرهم الآن فإن أعطوا أقل الجزية وهو دينار قبلته وإن أبوا نبذت إليهم وحاربتهم وأيهم أقر بشيء في صلحه وأنكره منهم غيره ألزمته ما أقر به ولم أجعل إقراره لازما لغيره إلا بأن يقولوا صلحنا على أن نعطي كذا ونضيف كذا فأما إذا قالوا أضفنا تطوعا بلا صلح فلا ألزمهموه قال ويأخذهم الإمام بعلمه وإقرارهم وبالبينة إن قامت عليهم من المسلمين ولا نجيز شهادة بعضهم على بعض وكذلك نصنع في كل أمر غير مؤقت مما صالحوا عليه وفي كل مؤقت لم يعرفه أهل الذمة بالإقرار به وإذا أقر قوم منهم بشيء يجوز للوالي أخذه ألزمهموه ما حيوا وأقاموا في دار الإسلام وإذا صالحوا على شيء أكثر من دينار ثم أرادوا أن يمتنعوا إلا من أداء دينار ألزمهم ما صالحوا عليه كاملا فإن امتنعوا منه حاربهم فإن دعوا قبل أن يظهر على أموالهم وتسبى ذراريهم إلى أن يعطوا الإمام الجزية دينارا لم يكن للإمام أن يمتنع منهم وجعلهم كقوم ابتدأ محاربتهم فدعوه إلى الجزية أو قوم دعوه إلى الجزية بلا حرب فإذا أقر منهم قرن بشيء صالحوا عليه ألزمهموه فإن كان فيهم غائب لم يحضر لم يلزمه وإذا حضر ألزم ما أقر به مما يجوز الصلح عليه وإذا نشأ أبناؤهم فبلغوا الحلم أو استكملوا خمس عشرة سنة فلم يقروا بما أقر به آباؤهم قيل إن أديتم الجزية وإلا حاربناكم فإن عرضوا أقل الجزية وقد أعطى آباؤهم أكثر منها لم يكن لنا أن نقاتلهم إذا أعطوا أقل الجزية ولا يحرم علينا أن يعطونا أكثر مما يعطينا آباؤهم ولا يكون صلح الآباء صلحا على الأبناء إلا ما كانوا صغارا لا جزية عليهم أو نساء لا جزية عليهن أو معتوهين لا جزية عليهم فأما من لم يجز لنا إقراره في بلاد الإسلام إلا على أخذ الجزية منه فلا يكون صلح أبيه ولا غيره صلحا عنه إلا برضاه بعد البلوغ ومن كان سفيها بالغا محجورا عليه منهم ( من أهل الذمة ) صالح عن نفسه بأمر وليه فإن لم يفعل وليه وهو معا حورب فإن غاب وليه جعل له السلطان وليا يصالح عنه فإن أبى المحجور عليه الصلح حاربه وإن أبى وليه وقبل المحجور عليه جبر وليه أن يدفع الجزية عنه لأنها لازمة إذا أقر بها لأنها من معنى النظر له لئلا يقتل ويؤخذ ماله فيئا وإذا كان هذا هكذا وكان من صالحهم ممن مضى الأئمة بأعيانهم قد ماتوا فحق الإمام أن يبعث أمناء فيجمعون البالغين من أهل الذمة في كل بلد ثم يسألونهم عن صلحهم فما أقروا به مما هو أزيد من أقل الجزية قبله منهم إلا أن تقوم عليهم بينة بأكثر منه ما لم ينقضوا العهد فيلزمه منهم من قامت عليه بينة ويسأل عمن نشأ منهم فمن بلغ عرض عليه قبول ما صالحوا عليه فإن فعل قبله منه وإن امتنع إلا من أقل الجزية قبل منه بعد أن يجتهد بالكلام على استزادته ويقول هذا صلح أصحابك فلا تمتنع منه ويستظهر بالاستعانة بأصحابه عليه وإن أبى إلا أقل الجزية قبله منه فإن اتهم أن يكون أحد منهم بلغ ولم يقر عنده بأن قد استكمل خمس عشرة سنة أو قد احتلم ولم يقم بذلك عليه بينة مسلمون أقل من يقبل في ذلك شاهدان عدلان كشفه كما { كشف رسول [ ص: 215 ] الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة فمن أنبت قتله } فإذا أنبت قال له إن أديت الجزية وإلا حاربناك فإن قال أنبت من أني تعالجت بشيء تعجل إنبات الشعر لم يقبل منه ذلك إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فيدعه ، ولا يقبل لهم ولا عليهم شهادة غير مسلم عدل ويكتب أسماءهم وحلاهم في الديوان ويعرف عليهم ويحلف عرفاؤهم لا يبلغ منهم مولود إلا رفعه إلى واليه عليهم ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم إلا رفعوا إليه فكلما دخل فيهم أحد من غيرهم ممن لم يكن له صلح وكان ممن تؤخذ منه الجزية فعل به كما وصفت فيمن فعل وكلما بلغ منهم بالغ فعل به ما وصفت .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن دخل من له صلح ( من أهل الذمة ) ألزمته صلحه ومتى أخذ منه صلحه رفع عنه أن تؤخذ عنه في غير بلده فإن كان صالح على دينار وقد كان له صلح قبله على أكثر أخذ منه ما بقي من الفضل على الدينار لأنه صالح عليه وإن كان صلحه الأول على دينار ببلده ثم صالح ببلد غيره على دينار أو أكثر قيل له إن شئت رددنا عليك الفضل عما صالحت عليه أولا إلا أن يكون نقض العهد ثم أحدث صلحا فيكون صلحه الآخر كان أقل أو أكثر من الصلح الأول ومتى مات منهم ميت أخذت من ماله الجزية بقدر ما مر عليه من سنته كأنه مر عليه نصفها لم يؤدها يؤخذ نصف جزيته وإن عته رفع عنه الجزية ما كان معتوها فإذا أفاق أخذتها منه من يوم أفاق فإن جن فكان يجن ويفيق ولم ترفع الجزية لأن هذا ممن تجري عليه الأحكام في حال إفاقته وكذلك إن مرض فذهب عقله أياما ثم عاد إنما ترفع عنه الجزية إذا ذهب عقله فلم يعد وأيهم أسلم رفعت عنه الجزية فيما يستقبل وأخذت لما مضى وإن غاب فأسلم فقال أسلمت من وقت كذا فالقول قوله مع يمينه إلا أن تقوم بينة بخلاف ما قال .

( قال الربيع ) وفيه قول آخر أن عليه الجزية من حين غاب إلى أن قدم فأخبرنا أنه مسلم إلا أن تقوم له بينة بأن إسلامه قد تقدم قبل أن يقدم علينا بوقت فيؤخذ بالبينة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أسلم ثم تنصر لم يؤخذ الجزية وإن أخذت ردت وقيل إن أسلمت وإلا قتلت وكذلك المرأة إن أسلمت وإلا قتلت قال ويبين وزن الدينار والدنانير التي تؤخذ منهم وكذلك صفة كل ما يؤخذ منهم وإن صالح أحدهم وهو صحيح فمرت به نصف سنة ثم عته إلى آخر السنة ثم أفاق أو لم يفق أخذت منه جزية نصف السنة التي كان فيها صحيحا ومتى أفاق استقبل به من يوم أفاق سنة ثم أخذت جزيته منه لأنه كان صالح فلزمه الجزية ثم عته فسقطت عنه وإن طابت نفسه أن يؤديها ساعة أفاق قبلت منه وإن لم تطب لم يلزمها إلا بعد الحول وإذا عتق العبد البالغ من أهل الذمة أخذت منه الجزية أو نبذ إليه وسواء أعتقه مسلم أو كافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية