الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1198 [ ص: 173 ] ( 11 ) باب ما جاء في الخلع

                                                                                                                        1152 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ; أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري ، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ فقالت : [ ص: 174 ] أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله . قال ما شأنك ؟ قالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس . لزوجها . فلما جاء زوجها ثابت بن قيس ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطاني عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس خذ منها فأخذ منها . وجلست في بيت أهلها .

                                                                                                                        1153 - مالك ، عن نافع ، عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد ; أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها ، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر .

                                                                                                                        [ ص: 175 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 175 ] 25862 - قال أبو عمر : هذا الحديث أصل في الخلع عند العلماء .

                                                                                                                        25863 - وأجمع الجمهور منهم أن الخلع ، والفدية ، والصلح ; أن كل ذلك جائز بين الزوجين في قطع العصمة بينهما ، وأن كل ما أعطته على ذلك حلال له ، إذا كان مقدار الصداق فما دونه ، وكان ذلك من غير إضرار منه بها ولا إساءة إليها .

                                                                                                                        25864 - إلا بكر بن عبد الله المزني ، فإنه شذ ، فقال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا على حال من الأحوال .

                                                                                                                        25865 - وزعم أن قوله عز وجل : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] منسوخ بقوله عز وجل : [ ص: 176 ] وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا [ النساء : 20 ] إلى قوله ميثاقا غليظا [ النساء : 21 ] .

                                                                                                                        25866 - وهذا خلاف السنة الثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس أن يأخذ من زوجته ما أعطاها ويخلي سبيلها .

                                                                                                                        25867 - ولا ينبغي لعالم أن يجعل شيئا من القرآن منسوخا إلا بتدافع يمنع من استعماله وتخصيصه .

                                                                                                                        25868 - وإذا جهل قوله عز وجل : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] أن يرضى منهما ، وجعل قوله عز وجل : فلا تأخذوا منه شيئا على أنه بغير رضاها ، وعلى كره منها ، وإضرار بها ، صح استعمال الآيتين .

                                                                                                                        25869 - وقد بينت السنة في ذلك قصة ثابت بن قيس وامرأته ، وعليه جماعة العلماء إلا من شذ عنهم ممن هو محجوج بهم ، وهم حجة عليه ; لأنهم لا يجوز عليهم الإطباق والاجتماع على تحريف الكتاب وجهل تأويله ، وينفرد بغير ذلك واحد غيرهم .

                                                                                                                        25870 - واختلفوا في مقدار ما يجوز للرجل أن يأخذ من امرأته ; لاختلاعها منه :

                                                                                                                        25871 - فقال منهم جماعة : ليس له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها على ظاهر حديث ثابت ، وقول امرأته : يا رسول الله : كل ما أعطاني عندي ، فأمره [ ص: 177 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه منها ويخلي سبيلها .

                                                                                                                        25872 - وروي ذلك عن طاوس ، وعطاء ، والزهري ، وعمرو بن شعيب .

                                                                                                                        25873 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها بأن يظهر لها البغضاء وتسيء عشرته وتظهر له الكراهة وتعصي أمره ، فإذا فعلت ذلك حل له أن يقبل منها ما أعطاها ، ولا يحل له أكثر مما أعطاها .

                                                                                                                        25874 - قال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا كان النشوز من قبلها ، حل له أن يأخذ منها ما أعطاها ولا يزداد .

                                                                                                                        25875 - قالوا : والزيادة في القضاء جائزة ، وإذا كان النشوز من قبله ، لم يجز له أن يأخذ منها شيئا ، فإن فعل جاز في القضاء .

                                                                                                                        25876 - قال أبو عمر : قولهم : لا يجوز ، ويجوز في القضاء قول المحال ، والخطإ .

                                                                                                                        25877 - وكره سعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، والحكم ، وحماد أن [ ص: 178 ] يأخذ منها أكثر مما أعطاها .

                                                                                                                        25878 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد .

                                                                                                                        25879 - وقال الأوزاعي : كان القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها .

                                                                                                                        25880 - وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : ما أرى أن يأخذ منها كل ما أعطاها ، ولكن ليدع لها شيئا .

                                                                                                                        25881 - وقال آخرون : جائز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، وإذا كان النشوز والإضرار من قبلها .

                                                                                                                        25882 - وممن قال ذلك : عكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وقبيصة بن ذؤيب .

                                                                                                                        [ ص: 179 ] 25883 - وهو قول مالك ، والشافعي .

                                                                                                                        25884 - وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                        25885 - وقد تقدم هذا عن عبد الله بن عمر من رواية مالك ، عن نافع .

                                                                                                                        25886 - وهو مذهب عثمان - رضي الله عنه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية