الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 337 ] فصل

ينبغي للقاسم أن يقرع بينهم ، فمن خرج اسمه على سهم أخذه ، وليس لأحدهم الرجوع إذا قسم القاضي أو نائبه ، فإن كان في نصيب أحدهم مسيل أو طريق لغيره لم يشرط ، فإن أمكن صرفه عنه صرفه وإلا فسخت القسمة ، وإذا شهدوا عليهم ثم ادعى أحدهم أن من نصيبه شيئا في يد صاحبه لم تقبل إلا ببينة ، وتقبل شهادة القاسمين ( م ف ) على ذلك ، وإن قال : قبضته ثم أخذه مني فبينته أو يمين خصمه ، وإن قال ذلك قبل الإشهاد تحالفا وفسخت القسمة ، وإن استحق بعض نصيب أحدهم رجع في نصيب صاحبه بقسطه ( س ) .

التالي السابق


فصل

( ينبغي للقاسم أن يقرع بينهم ، ممن خرج اسمه على سهم أخذه ) وذلك بعد ما يصور ما يقسمه ويعدله على سهام القسمة ، ويذرع الساحة ويقوم البناء لحاجته إلى معرفة ذلك ، ويفرز كل نصيب بحقوقه عن بقية الأنصباء ليتحقق معنى القسمة ، ويلقب الأنصباء بالأول والثاني والثالث ، ثم يخرج القرعة كما تقدم ، ويقسم على أقل الأنصباء ، فإن كان سدسا جعلها أسداسا ، أو ثمنا فأثمانا ؛ لأنه إذا خرج أقل الأنصباء خرج الأكثر ، ولا كذلك بالعكس ، ولو عين لكل واحد نصيبا جاز من غير قرعة ؛ لأنه في معنى القضاء فيصح إلزامه . أما القرعة فلتطييب النفوس ونفي التهمة والميل .

قال : ( وليس لأحد الرجوع إذا قسم القاضي أو نائبه ) ؛ لأنها صدرت عن ولاية تامة فلزمت كالقضاء ، وكذلك ليس له ذلك إذا خرج بعض السهام ، فكما لا يلتفت إلى إبائه قبل القسمة لا يلتفت إلى رجوعه بعدها ، وكذلك إذا حصل التراضي وبينت الحدود ؛ لأن المؤمنين عند شروطهم . وقيل يصح رجوعه إذا خرج بعض السهام إلا إذا بقي سهم واحد لتعينه للباقي .

[ ص: 338 ] قال : ( فإن كان في نصيب أحدهم مسيل أو طريق لغيره لم يشرط ، فإن أمكن صرفه عنه صرفه ) تحقيقا لمعنى القسمة وهو قطع الاشتراك .

( وإلا فسخت القسمة ) لاختلالها ، وتستأنف لأن المقصود تكميل المنفعة ، ولا يتأتى ذلك إلا بالطريق والمسيل .

قال : ( وإذا شهدوا عليهم ثم ادعى أحدهم أن من نصيبه شيئا في يد صاحبه لم تقبل إلا ببينة ) لأنه مدع ، فإن لم تكن له بينة استحلف شركاؤه ، فمن نكل جمع نصيبه ونصيب المدعي فيقسم بينهما على قدر نصيبهما ؛ لأن النكول حجة على ما عرف ، وقيل لا تقبل دعواه للتناقض .

قال : ( وتقبل شهادة القاسمين على ذلك ) وقال محمد : لا تقبل ؛ لأنها شهادة على فعلهما .

ولهما أنهما شهدا بالاستيفاء وهو فعل الغير وبه تلزم القسمة فتقبل ، أما فعلهما الإفراز وهو غير ملزم ولا حاجة إلى الشهادة عليه . وعن محمد مثل قولهما .

ومنهم من قال : إن كانت القسمة بأجر لا تقبل ؛ لأنها دعوى إيفاء عمل استؤجرا عليه . وجوابه أن أجرتهما وجبت باتفاق الخصوم على إيفاء العمل وهو التمييز فلم تجر لهما مغنما فلا تهمة .

( وإن قال قبضته ثم أخذه مني فبينته أو يمين خصمه ) كسائر الدعاوى .

( وإن قال ذلك قبل الإشهاد تحالفا وفسخت القسمة ) وكذلك إذا قال : لم يسلم إلى بعض نصيبي وهو نظير الاختلاف في قدر المبيع ، وسنبين التحالف وأحكامه في كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى .

قال : ( وإن استحق بعض نصيب أحدهم رجع في نصيب صاحبه بقسطه ) كما في البيع ، هذا عند أبي حنيفة ; وقال أبو يوسف : تفسخ القسمة ، وهو قول محمد في رواية أبي سليمان . وروى [ ص: 339 ] أبو حفص أنه مع أبي حنيفة . وقيل الخلاف في بعض شائع في نصيب أحدهما ، أما المعين لا يفسخ بالإجماع; ولو استحق نصيب شائع في الكل انفسخت بالإجماع; لأبي يوسف أن بالاستحقاق ظهر شريك ثالث ولا قسمة بدون رضاه; والفقه فيه أن باستحقاق الجزء الشائع يبطل معنى القسمة ، وهو التمييز والإفراز ؛ لأنه يرجع بجزء شائع في نصيب الآخر بخلاف المعين ، وصار كاستحقاق الشائع في الكل; ولأبي حنيفة أن القسمة على هذا الوجه تجوز ابتداء بأن يكون نصف الدار المقدم بينهما وبين ثالث ، والمؤخر بينهما على الخصوص ، فاقتسما على أن لأحدهما نصيبهما من المقدم وربع المؤخر ، وللآخر ثلاثة أرباع المؤخر فإنه يجوز ، وإذا جاز ذلك ابتداء جاز انتهاء ، فمعنى القسمة موجود وصار كالجزء المعين ، بخلاف الشائع في الكل ؛ لأن القسمة لو بقيت يتفرق نصيب المستحق في الكل فيتضرر ولا ضرر هنا فافترقا .




الخدمات العلمية