الآية السادسة قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم } .
فيها مسألتان : المسألة الأولى في
nindex.php?page=treesubj&link=29020_18792حقيقة الظن . وقد قال علماؤنا : إن حقيقة الظن تجويز أمرين في النفس لأحدهما ترجيح على الآخر . والشك عبارة عن استوائهما . والعلم هو حذف أحدهما وتعيين الآخر . وقد حققناه في كتب الأصول . المسألة الثانية أنكرت جماعة من المبتدعة
تعبد الله تعالى بالظن ، وجواز العمل به تحكم في الدين ، ودعوى في العقول ; وليس في ذلك أصل يعول عليه ; فإن الباري تعالى لم يذم جميعه ، وإنما ورد الذم كما قررناه آنفا في بعضه .
ومتعلقهم في ذلك حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12908إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا } .
وهذا لا حجة فيه ; لأن الظن في الشريعة قسمان : محمود ، ومذموم ; فالمحمود بدلالة قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12إن بعض الظن إثم } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41469وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسبه كذا ، ولا أزكي على الله أحدا } . وعبادات الشرع وأحكامه ظنية في الأكثر حسبما بيناه في أصول الفقه ، وهي مسألة تفرق بين الغبي والفطن .
الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29020_18792حَقِيقَةِ الظَّنِّ . وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّ حَقِيقَةَ الظَّنِّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ فِي النَّفْسِ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ عَلَى الْآخَرِ . وَالشَّكُّ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِوَائِهِمَا . وَالْعِلْمُ هُوَ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَتَعْيِينُ الْآخَرِ . وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنْكَرَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ
تَعَبُّدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالظَّنِّ ، وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِهِ تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ ، وَدَعْوَى فِي الْعُقُولِ ; وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَصْلٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; فَإِنَّ الْبَارِي تَعَالَى لَمْ يَذُمَّ جَمِيعَهُ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الذَّمُّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فِي بَعْضِهِ .
وَمُتَعَلِّقُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12908إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا ، وَلَا تَقَاطَعُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا } .
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الشَّرِيعَةِ قِسْمَانِ : مَحْمُودٌ ، وَمَذْمُومٌ ; فَالْمَحْمُودُ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=41469وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسَبُهُ كَذَا ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا } . وَعِبَادَاتُ الشَّرْعِ وَأَحْكَامُهُ ظَنِّيَّةٌ فِي الْأَكْثَرِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْغَبِيِّ وَالْفَطِنِ .