الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما يعطيهم الإمام من المنع من العدو .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يظهر لهم أنهم إن كانوا في بلاد الإسلام أو بين أظهر أهل الإسلام منفردين أو مجتمعين فعليه أن يمنعهم من أن يسبيهم العدو أو يقتلهم منعه ذلك من المسلمين .

وإن كانت دارهم وسط دار المسلمين وذلك أن يكون من المسلمين أحد بينهم وبين العدو فلم يكن في صلحهم أن يمنعهم فعليه منعهم لأن منعهم منع دار الإسلام دونهم وكذلك إن كان لا يوصل إلى موضع هم فيه منفردون إلا بأن توطأ من بلادهم شيء كان عليه منعهم وإن لم يشترط ذلك لهم وإن كانت بلادهم داخلة ببلاد الشرك ليس بينها وبين بلاد الإسلام شرك حرب فإذا أتاها العدو لم يطأ من بلاد الإسلام شيئا ومعهم مسلم فأكثر كان عليه منعهم .

وإن لم يشترط ذلك لهم لأن منع دارهم منه مسلم وكذلك إن لم يكن معهم مسلم وكان معهم مال لمسلم فإن كانت دارهم كما وصفت متصلة ببلاد الإسلام وبلاد الشرك إذا غشيها المشركون لم ينالوا من بلاد الإسلام شيئا وأخذ الإمام منهم الجزية فإن لم يشترط لهم منعهم فعليه منعهم حتى يبين في أصل صلحهم أنه لا يمنعهم فيرضون بذلك وأكره له إذا اتصلوا كما وصفت ببلاد الإسلام أن يشترط أن لا يمنعهم وأن يدع منعهم ولا يبين أن عليه منعهم .

فإن كان أصل صلحهم أنهم قالوا لا تمنعنا ونحن نصالح المشركين بما شئنا لم يحرم عليه أن يأخذ الجزية منهم على هذا وأحب إلي لو صالحهم على منعهم لئلا ينالوا أحدا يتصل ببلاد الإسلام فإن كانوا قوما من العدو دونهم عدو فسألوا أن يصالحوا على جزية ولا يمنعوا جاز للوالي أخذها منهم ولا يجوز له أخذها بحال من هؤلاء ولا غيرهم إلا على أن يجري عليهم حكم الإسلام لأن الله عز وجل لم يأذن بالكف عنهم إلا بأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون والصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام فمتى صالحهم على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام فالصلح فاسد وله أخذ ما صالحوه عليه في المدة التي كف فيها عنهم وعليه أن ينبذ إليهم حتى تصالحوا على أن يجري عليهم الحكم أو يقاتلهم ولا يجوز أن يصالحهم على هذا إلا أن تكون بهم قوة .

ولا يجوز أن يقول آخذ منكم الجزية إذا استغنيتم وأدعها إذا افتقرتم ولا أن يصالحهم إلا على جزية معلومة لا يزاد فيها ولا ينقص ولا أن يقول متى افتقر منكم مفتقر أنفقت عليه من مال الله تعالى قال ومتى صالحهم على شيء مما زعمت أنه لا يجوز الصلح عليه وأخذ عليه منهم جزية أكثر من دينار في السنة رد الفضل على الدينار ودعاهم إلى أن يعطوا الجزية على ما يصلح .

فإن لم [ ص: 220 ] يفعلوا نبذ إليهم وقاتلهم ومتى أخذ منهم الجزية على أن يمنعهم فلم يمنعهم إما بغلبة عدو له حتى هرب عن بلادهم وأسلمهم وإما تحصن منه حتى نالهم العدو فإن كان تسلف منهم جزية سنة أصابهم فيها ما وصفت رد عليهم جزية ما بقي من السنة ونظر فإن كان ما مضى من السنة نصفها أخذ منه ما صالحهم عليه لأن الصلح كان تاما بينه وبينهم حتى أسلمهم فيومئذ انتقض صلحه وإن كان لم يتسلف منهم شيئا وإنما أخذ منهم جزية سنة قد مضت وأسلمهم في غيرها لم يرد عليهم شيئا ولا يسعه إسلامهم فإن غلب غلبة فعلى ما وصفت وإن أسلمهم غلبة فهو آثم في إسلامهم وعليه أن يمنع من آذاهم وإذا أخذ منهم الجزية أخذها بإجمال ولم يضرب منهم أحدا ولم يقل لهم قبيح والصغار أن يجري عليهم الحكم لا أن يضربوا ولا يؤذوا ويشترط عليهم أن لا يحيوا من بلاد الإسلام شيئا ولا يكون له أن يأذن لهم فيه بحال وإن أقطعه رجلا مسلما فغمره ثم باعهموه لم ينقض البيع وتركهم حياءه لأنهم ملكوه بأموالهم وليس له أن يمنعهم الصيد في بر ولا بحر لأن الصيد ليس بإحياء أموات وكذلك لا يمنعهم الحطب ولا الرعي في بلاد المسلمين لأنه لا يملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية