الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في تعليقه بالحيض

                                                                                                                          إذا قال : إذا حضت ، فأنت طالق ، طلقت بأول الحيض ، فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق به ، وإن قال لطاهر : إذا حضت حيضة فأنت طالق ، لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ، ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها ، وإن قال : إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق ، احتمل أن يعتبر نصف عادتها ، واحتمل أنها متى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصفها ، واحتمل أن يلغو قوله : نصف حيضة ، وقيل : إذا حاضت سبعة أيام ونصفا طلقت ، وإن قال : إذا طهرت فأنت طالق ، طلقت بانقطاع الدم ، وإن كانت طاهرا ، طلقت إذا طهرت من حيضة مستقبلة ، وإذا قالت : حضت ، وكذبها ، قبل قولها في نفسها ، وإن قال : قد حضت ، فأنكرته - طلقت بإقراره ، وإن قال : إن حضت فأنت وضرتك طالقتان ، فقالت له : حضت ، وكذبها - طلقت دون ضرتها ، وإن قال : إن حضتما فأنتما طالقتان ، فقالتا : قد حضنا فصدقهما - طلقتا ، وإن كذبهما لم تطلقا ، وإن كذب إحداهما طلقت وحدها ، وإن قال ذلك لأربع ، فقلن : قد حضنا ، فصدقهن ، طلقن ، وإن صدق واحدة أو اثنتين لم يطلق منهن شيء ، وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها ، وإن قال : كلما حاضت إحداكن ، فضرائرها طوالق ، فقلن : قد حضنا فصدقهن - طلقن ثلاثا ثلاثا ، وإن صدق واحدة لم تطلق ، وطلق ضراتها طلقة طلقة ، وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة ، وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين ، وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          في تعليقه بالحيض

                                                                                                                          ( إذا قال : إذا حضت ، فأنت طالق ، طلقت بأول الحيض ) ؛ لأن الصفة وجدت بدليل منعها من الصلاة والصيام ، نقل مهنا : تطلق برؤية الدم ؛ لتحريم مباشرتها طاهرا فيه ، وفي قبل موتي بشهر ، وكل زمن يحتمل أن يتبين أنه زمن الطلاق في الأصح ، ولمنع المعتادة من العبادة إجماعا ، وفي " الانتصار " و " الفنون " وغيرهما بتبينه بمضي أقله .

                                                                                                                          ( فإن بان أن الدم ليس بحيض لم تطلق به ) ؛ لأنه تبين أن الصفة لم توجد ، وذلك بأن تكون بنت دون تسع سنين أو ينقطع لأقل من أقل الحيض ، ويتصل الانقطاع إلى أكثر الحيض ، ولم يشرط في " المغني " الاتصال ، واشترطه أبو الخطاب [ ص: 335 ] وغيره ، ولا بد منه ؛ لأنه إذا انقطع لما ذكر ثم جاء قبل الأكثر كان حيضا ؛ لكون من رأته ملفقة ، ومعنى : لم تطلق ، أي : لم يقع ( وإن قال لطاهر : إذا حضت حيضة فأنت طالق ، لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ) نص عليه ؛ لأنها لا تحيض حيضة إلا بذلك ، وقيل : لا تطلق حتى تغتسل منها ، وذكره ابن عقيل رواية من أول حيضة مستقبلة ، والأول أصح ، والظاهر : أنه يقع سنيا ( ولا يعتد بالحيضة التي هي فيها ) ؛ لأنها ليست حيضة كاملة .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : إذا حضت حيضة فأنت طالق ، وإذا حضت حيضتين فأنت طالق - طلقت واحدة ، فإذا حاضت الثانية ، طلقت الثانية عند طهرها ، فلو قال : ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق ، لم تطلق الثانية حتى تطهر من الحيضة الثالثة ؛ لأن " ثم " للترتيب تقتضي حيضتين بعد الطلقة الأولى .



                                                                                                                          ( وإن قال : إذا حضت نصف حيضة فأنت طالق ، احتمل أن يعتبر نصف عادتها ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه في " الشرح " ؛ لأن الأحكام تعلقت بالعادة ، فيتعلق بها وقوع الطلاق ( واحتمل أنها متى طهرت تبينا وقوع الطلاق في نصفها ) وهو أشهر ؛ لأنها إذا طهرت في ستة أيام مثلا تحقق أن نصف حيضها ثلاثة ، فيجب أن يحكم بوقوع الطلاق فيها ؛ لوجود شرطه ، وفيه إشعار أنها لا تطلق حتى تطهر ، وهو صحيح ؛ لأن شرط الطلاق مضي نصف الحيضة ، ولا يتحقق نصفها إلا بكمالها ( واحتمل أن يلغو قوله : نصف حيضة ) وهو قول القاضي ؛ لأن الحيضة لا تتنصف ؛ لأنها عبارة عن جريان الدم ، فعلى هذا يتعلق [ ص: 336 ] طلاقها بأول الدم ، كقوله : إذا حضت ( وقيل : إذا حاضت سبعة أيام ونصفا طلقت ) ؛ لأنه لا يتيقن مضي الحيضة إلا بذلك ؛ ولأنه نصف أكثر الحيض ، قال في " الكافي " بمعنى - والله أعلم - أنه مادام حيضها باقيا لا يحكم بوقوع طلاقها حتى يمضي نصف أكثر الحيض ؛ لأن ما قبل الحيض لا يتيقن به مضي نصف الحيضة ، فلا يقع الطلاق بالشك .



                                                                                                                          ( وإن قال : إذا طهرت فأنت طالق ، طلقت بانقطاع الدم ) نص عليه ؛ لأنه بانقطاعه ثبت لها أحكام الطاهرات في وجوب الصلاة ، وصحة الصيام ، فيجب أن يتعلق به وجوب الطلاق ، وفي عبارته تسامح ، ولو قال : بأول طهر مستقبل ، لكان أولى ، وظاهر أنها تطلق وإن لم تغتسل ؛ لأنه ثبت لها أحكام الطهر ؛ لأنها ليست حائضا ، فلزم أن تكون طاهرا ؛ لأنهما ضدان ، وفي " التنبيه " قول حتى تغتسل ؛ لأن بعض أحكام الحيض باقية ، وبناه في " الشرح " على العدة ( وإن كانت طاهرا ، طلقت إذا طهرت من حيضة مستقبلة ) ؛ لأن قوله لها : " إذا طهرت " يقتضي تجدد الطهارة ، فإذا كانت طاهرا ، لم توجد الطهارة المتجددة إلا إذا طهرت من حيضة مستقبلة ، ضرورة كونها طهارة متجددة ، ( وإذا قالت : حضت ، وكذبها ، قبل قولها في نفسها ) بغير يمين في ظاهر المذهب ؛ لقوله تعالى : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن [ البقرة : 228 ] قيل : هو الحيض ، فلولا أن قولها مقبول فيه ما حرم عليها كتمانه ، ولأنه لا يعرف إلا من جهتها ، ولقوله : إن أضمرت بغضي ، فادعته بخلاف دخول الدار ، وعنه : تطلق بنيته ، فيختبرنها النساء بإدخال قطنة في الفرج زمن دعواها [ ص: 337 ] الحيض ، فإن ظهر دم فهي حائض ، واختاره أبو بكر ؛ لأن الحيض يمكن معرفته من غيرها كدخول الدار ، وعلى الأول هل يعتبر يمينها ؛ فيه وجهان مبنيان على ما إذا ادعت أن زوجها طلقها ، وأنكرها وفاقا لأبي حنيفة ، وقوله : قبل قولها في نفسها ، أي : دون غيرها من طلاق أخرى ، أو عتق عبد ، نص عليه في الطلاق ؛ لأنها مؤتمنة في حق نفسها دون غيرها .



                                                                                                                          ( وإن قال : قد حضت ، فأنكرته - طلقت بإقراره ) ؛ لأنه أقر بما يوجب طلاقها ، أشبه ما لو قال : طلقتها ( وإن قال : إن حضت فأنت وضرتك طالقتان ، فقالت : قد حضت ، وكذبها - طلقت ) ؛ لأن قولها مقبول في حق نفسها ( دون ضرتها ) أي : أن الضرة لا تطلق إلا أن تقيم بينة على حيضها ، فإن ادعت الضرة أنها حاضت ، لم تقبل ؛ لأن معرفتها بحيض غيرها كمعرفة الزوج به ، وعنه : تختبر ، وعنه : إن أخرجت على خرقة دما ، طلقت الضرة ، اختاره في " التبصرة " ، وحكاه عن القاضي ، فإذا قال : حضت ، وأنكرت - طلقت بإقراره ( وإن قال : إن حضتما فأنتما طالقتان ، فقالتا : قد حضنا فصدقهما - طلقتا ) ؛ لأنهما أقرتا وصدقهما ، فوجدت الصفة في حقهما ( وإن كذبهما لم تطلقا ) ولا واحدة منهما ؛ لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين : حيضها وحيض ضرتها ، ولا يقبل قول واحدة منهما في حق ضرتها ، فلم يوجد الشرطان ( وإن كذب إحداهما طلقت وحدها ) ؛ لأن قولها مقبول في حقها ، وقد صدق الزوج ضرتها ، فوجد الشرطان في حقها ، ولم تطلق المصدقة ؛ لأن قول المكذبة غير مقبول في حقها ، ولم يصدقها الزوج ، فلم يوجد شرط طلاقها .

                                                                                                                          [ ص: 338 ] فرع : إذا قال لزوجتيه : إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان ، طلقتا بحيضتين منهما عملا باليقين ، وفي " الكافي " و " المستوعب " : يلغى قوله " حيضة " كقوله : إن حضتما ، قاله القاضي ، وقدمه في " الرعاية " ، زاد في " الكافي " : فإن قال : أردت إذا حاضت كل واحدة منهما حيضة ، قبل ؛ لأنه محتمل لذلك ، والأشهر تطلقان بالشروع فيهما ، وقيل : بحيضة من واحدة ، وقيل : لا تطلقان بحال كمستحيل .

                                                                                                                          ( وإن قال ذلك لأربع ) فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع ( فقلن : قد حضنا ، فصدقهن ، طلقن ) ؛ لأنه قد وجد حيضهن بتصديقه ( وإن صدق واحدة أو اثنتين لم يطلق منهن شيء ) ؛ لأن شرط طلاقهن حيض الأربع ، ولم يوجد ، وكذا إن كذب الكل ( وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها ) ؛ لأن قولها مقبول في حيضها ، وقد صدق الزوج صواحبها ، فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ، ولا تطلق المصدقات ؛ لأن قول المكذبة غير مقبول في حقهن .

                                                                                                                          فائدة : الأفصح في صاحبة أن تجمع على صواحب كضوارب ، ووقع لبعضهم صواحباتها ، وهي لغة قليلة .



                                                                                                                          ( وإن قال : كلما ) أو أيتكن ( حاضت إحداكن ، فضرائرها طوالق ، فقلن : قد حضنا فصدقهن - طلقن ثلاثا ثلاثا ) ؛ لأن حيض كل واحدة منهن صفة لطلاق البواقي ، ولكل واحدة ثلاث ضرائر وقد حضن ، فتطلق ثلاث تطليقات ، فإن كذبهن لم يطلق منهن شيء ؛ لأن قولهن غير مقبول في طلاق غيرهن ( وإن صدق واحدة لم تطلق ) ؛ لأنه ليس لها صاحبة ثبت حيضها ( وطلق ضراتها طلقة طلقة ) ؛ لأن لكل [ ص: 339 ] منهن صاحبة ثبت حيضها ( وإن صدق اثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقة ) ؛ لأن لكل واحدة منهما ضرة مصدقة ( وطلقت المكذبتان طلقتين طلقتين ) ؛ لأن لكل واحدة منهما ضرتين مصدقتين ( وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة ثلاثا ) ؛ لأن لها ثلاث ضرائر ثبت حيضهن ، وطلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين ؛ لأن لكل واحدة ضرتين مصدقتين .

                                                                                                                          فرع : العتق المعلق بالحيض كذلك .



                                                                                                                          تذنيب : إذا قال لأربع : أيتكن لم أطأها ، فضرائرها طوالق ، فإن قيده بوقت معين ، فمضى ، ولم يطأهن - طلقن ثلاثا ثلاثا ؛ لأن لكل واحدة ثلاث ضرائر غير موطوءات ، فإن وطئ ثلاثا ، وترك واحدة - لم تطلق المتروكة ؛ لأنها ليس لها ضرة غير موطوءة ، وتطلق كل واحدة من الموطوءات طلقة طلقة ، وإن وطئ طلقتا طلقتين ، وإن أطلق تقيد بالعمر ، فإذا مات هو ، طلقن كلهن في آخر جزء من حياته ، وعنه : فيمن قال لعبيده : أيكم أتاني بخبر كذا ، فهو حر ، فجاء به جماعة - عتقوا ، ونقل حنبل : فيتوجه أحدهم بقرعة ، فيتوجه مثله في نظائرها ، ذكرهما في الإرشاد .




                                                                                                                          الخدمات العلمية