الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله - تعالى - : وظنوا ما لهم من محيص .

                                                                                                                                                                                                                                      الظن هنا بمعنى اليقين ; لأن الكفار يوم القيامة إذا عاينوا العذاب ، وشاهدوا الحقائق - علموا في ذلك الوقت أنهم ليس لهم من محيص ، أي ليس لهم مفر ولا ملجأ .

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن المحيص مصدر ميمي ، من حاص يحيص بمعنى حاد وعدل وهرب .

                                                                                                                                                                                                                                      وما ذكرنا من أن الظن في هذه الآية الكريمة بمعنى اليقين والعلم - هو التحقيق - إن شاء الله - ; لأن يوم القيامة تنكشف فيه الحقائق ، فيحصل للكفار العلم بها لا يخالجهم في ذلك شك ، كما قال - تعالى - عنهم أنهم يقولون يوم القيامة : ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [ 32 \ 12 ] . وقال - تعالى - : أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا [ 19 \ 38 ] . وقال - تعالى - : فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد [ 50 \ 22 ] . وقال - تعالى - : ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا [ 6 ] . وقد [ ص: 35 ] قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة " النمل " في الكلام على قوله - تعالى - : بل ادارك علمهم في الآخرة [ 27 \ 66 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعلوم أن الظن يطلق في لغة العرب التي نزل بها القرآن على معنيين : أحدهما : الشك ، كقوله وإن الظن لا يغني من الحق شيئا [ 53 \ 28 ] . وقوله - تعالى - عن الكفار : إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين [ 45 \ 32 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : هو إطلاق الظن مرادا به العلم واليقين ، ومنه قوله - تعالى - هنا : وظنوا ما لهم من محيص [ 41 \ 48 ] أي أيقنوا أنهم ليس لهم يوم القيامة محيص ، أي لا مفر ولا مهرب لهم من عذاب ربهم ، ومنه بهذا المعنى قوله - تعالى - : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها [ 18 \ 53 ] أي أيقنوا ذلك وعلموه ، وقوله - تعالى - : الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون [ 2 \ 46 ] . وقوله - تعالى - : قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله [ 2 \ 249 ] . وقوله - تعالى - : فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه [ 69 \ 19 - 20 ] . فالظن في الآيات المذكورة كلها بمعنى اليقين .

                                                                                                                                                                                                                                      ونظير ذلك من كلام العرب قول دريد بن الصمة :

                                                                                                                                                                                                                                      فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد



                                                                                                                                                                                                                                      وقول عميرة بن طارق :

                                                                                                                                                                                                                                      بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم     وأجعل مني الظن غيبا مرجما



                                                                                                                                                                                                                                      والظن في البيتين المذكورين بمعنى اليقين ، والفعل القلبي في الآية المذكورة التي هي قوله : وظنوا ما لهم من محيص معلق عن العمل في المفعولين بسبب النفي بلفظة ( ما ) في قوله : ما لهم من محيص كما أشار له في الخلاصة بقوله :

                                                                                                                                                                                                                                      والتزم التعليق قبل نفي " ما

                                                                                                                                                                                                                                      "

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية