الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله الآية (2) : روي عن ابن عباس أنها مناسك الحج، فعلى هذا تشتمل على الصفا والمروة والبدن وغيرها. وقيل: معالم الله تعالى وأحكامه: شعائره، فإن شعائره مأخوذة من الإعلام، ومنه مشاعر البدن وهي الحواس، وهي أيضا المواضع التي أشعرت بالعلامات، ومنه قول القائل: شعرت به: أي: علمته، لا يشعرون: أي: لا يعلمون، ومنه الشاعر، لأنه شعر بفطنته بما لا يشعر به غيره، فالشعائر: العلامات.

فقوله تعالى: لا تحلوا شعائر الله : اشتمل على جميع معالم دين الله، وهو ما أعلمنا الله تعالى من فرائض دينه وعلاماتها أن لا تتجاوز واحدة ولا تقصر فيما دونها، وهذا أشمل التأويلات. [ ص: 14 ] والهدي: ما يتقرب به من الذبائح والصدقات، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "المبكر للجمعة كالمهدي بدنة.." ، إلى أن قال: "كالمهدي بيضة" . فسماها هديا، فتسمية البيضة هديا لا محمل له إلا أنه أراد بالهدي الصدقة، ولذلك قال العلماء: إذا قال: جعلت ثوبي هديا، فعليه أن يتصدق به. إلا أن الإطلاق ينصرف إلى أحد الأصناف من الإبل والغنم، وسوقها إلى الحرم، وذبحها فيه، وهذا شيء تلقى من عرف الشرع من قوله: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ، أراد به: الشاة..

وقد قال تعالى: يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة . وقال تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي . وأقله عند الفقهاء شاة، فإذا أطلق الهدي تناول ذبح أحد هذه الأصناف الثلاثة في الحرم. فقوله تعالى: ولا الهدي أراد به: النهي عن إحلال الهدي الذي قد جعل للذبح في الحرم، وإحلاله: استباحته لغير ما سيق له من الفدية.

[ ص: 15 ] وفيه دلالة على المنع من الانتفاع بالهدي بصرفه إلى جهة أخرى، ويدل على تحريم الأكل من الهدي نذرا كان أو واجبا، من إحصار أو جزاء صيد، ويمنع الأكل من هدي المتعة والقران، على ما هو مذهب الشافعي ، وخالفه فيه أبو حنيفة . وفيه تنبيه على أصل آخر، وهو أن الشافعي يقول: إذا كان مطلق الهدي يتناول الأصناف الثلاثة على خلاف ما يقتضيه حق الوضع، فهو لعرف الشرع وتقييده المطلق من الهدي بالأصناف، فإذا كان كذلك فلم نجد في عرف الشرع، إلا أن لفظ الهدي تكرر في الكتاب في مواضع، فاقتضى ذلك كون الهدي صريحا في التقييد بالأصناف الثلاثة، وإن تناول من حيث اللغة ما سواه، كذلك لفظ الفراق والسراح من حيث تكررا في الكتاب والسنة، صارا صريحين في معنى الطلاق، وإن كان اللفظين محتملين لما سواه، وهذا بين ظاهر.

التالي السابق


الخدمات العلمية