الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : تجريد الانقطاع عن الحظوظ [ ص: 32 ] واللحوظ إلى العالم ، خوفا أو رجاء ، أو مبالاة بحال .

قلت : التبتل يجمع أمرين اتصالا وانفصالا . لا يصح إلا بهما .

فالانفصال : انقطاع قلبه عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه . وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله ، خوفا منه ، أو رغبة فيه ، أو مبالاة به ، أو فكرا فيه ، بحيث يشغل قلبه عن الله .

والاتصال : لا يصح إلا بعد هذا الانفصال . وهو اتصال القلب بالله ، وإقباله عليه ، وإقامة وجهه له ، حبا وخوفا ورجاء ، وإنابة وتوكلا .

ثم ذكر الشيخ ما يعين على هذا التجريد ، وبأي شيء يحصل . فقال :

بحسم الرجاء بالرضا ، وقطع الخوف بالتسليم ، ورفض المبالاة بشهود الحقيقة .

يقول : إن الذي يحسم مادة رجاء المخلوقين من قلبك هو الرضا بحكم الله عز وجل وقسمه لك . فمن رضي بحكم الله وقسمه ، لم يبق لرجاء الخلق في قلبه موضع .

والذي يحسم مادة الخوف هو التسليم لله . فإن من سلم لله واستسلم له ، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له - لم يبق لخوف المخلوقين في قلبه موضع أيضا . فإن نفسه التي يخاف عليها قد سلمها إلى وليها ومولاها . وعلم أنه لا يصيبها إلا ما كتب لها . وأن ما كتب لها لا بد أن يصيبها . فلا معنى للخوف من غير الله بوجه .

وفي التسليم أيضا فائدة لطيفة . وهي أنه إذا سلمها الله فقد أودعها عنده . وأحرزها في حرزه . وجعلها تحت كنفه . حيث لا تنالها يد عدو عاد ولا بغي باغ عات .

والذي يحسم مادة المبالاة بالناس شهود الحقيقة . وهو رؤية الأشياء كلها من الله ، وبالله ، وفي قبضته ، وتحت قهره وسلطانه . لا يتحرك منها شيء إلا بحوله وقوته . ولا ينفع ولا يضر إلا بإذنه ومشيئته . فما وجه المبالاة بالخلق بعد هذا الشهود ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية