الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الخصيصة الثانية : العتق بالقرابة ، فمن ملك أباه ، أو أمه ، أو أحد أصوله من الأجداد والجدات من جهة الأب أو الأم ، أو ملك من أولاده ، وأولاد أولاده وإن سفلوا ، عتق عليه ، سواء ملكه قهرا بالإرث ، أم اختيارا بالشراء والهبة وغيرهما ، ولا يعتق غير الأصول والفروع ، كالإخوة والأعمام والأخوال وسائر الأقارب . وليس لولي الصبي والمجنون أن يشتري لهما من يعتق عليهما ، فإن فعل ، فالشراء باطل .

                                                                                                                                                                        ولو وهب للصبي قريبه ، أو أوصى له به . نظر ، إن كان الصبي معسرا ، فلوليه قبوله ، ويلزمه القبول على الأصح وظاهر النص ، فإذا قبل ، عتق على الصبي . وإن كان موسرا ، نظر ، إن كان القريب بحيث يجب تعففه في الحال ، لم يجز للولي القبول ، وإن كان بحيث لا يجب ، فعلى ما ذكرنا في المعسر ، وإذا لم يقبل الولي قبل الحاكم ، فإن لم يفعل ، فللصبي بعد بلوغه القبول ، كذا ذكره الروياني ، وليكن هذا في الوصية . ولو وهب له بعض القريب ، أو أوصى له به ، فإن كان الصبي معسرا ، قبل الولي ، وإن كان موسرا ، زاد النظر في غرامة السراية ، وفيه قولان . أظهرهما : لا يقبل ; لأنه لو قبل ، لعتق على الصبي ، وسرى ، ولزمه قيمة الشريك ، وفيه ضرر . والثاني : يقبل ، ويعتق عليه ، ولا يسري . وقيل : ليس له القبول قطعا ، وإنما القولان في صحة القبول .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اشترى في مرض موته قريبه ، فإما أن يشتريه بثمنه أو بمحاباة ، وعلى التقدير الأول ، قد يكون عليه دين ، وقد لا ، وقد سبق بيان [ ص: 134 ] كل ذلك في الوصية ، وذكرنا أنه إذا لم يكن دين ولا وصية ، اعتبر عتقه من الثلث ، فإن خرج كله من ثلثه ، عتق ، وإلا ، عتق قدر الثلث ، وإن ملكه بإرث ، عتق من رأس المال على الأصح حتى يعتق كله ، وإن لم يكن مال آخر . وقيل : من الثلث حتى لا يعتق إلا ثلثه ، إذا لم يملك شيئا آخر . ولو ملكه بهبة أو وصية ، فإن قلنا : الإرث من الثلث ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان ، والمسألة مبسوطة في الوصايا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من قواعد كتاب السير أن الحربي إذا قهر حربيا ، ملكه ، قال الإمام : ولم يشترط الأصحاب قصد الإرقاق ، بل اكتفوا بصورة القهر ، وعندي لا بد من القصد ، فإن القهر قد يكون للاستخدام ، فلا يتميز قهر الإرقاق إلا بالقصد ، فإذا قهر عبد سيده الحربي ، عتق العبد ، وصار السيد رقيقا له . ولو قهر الزوج زوجته ، واسترقها ، ملكها ، وجاز له بيعها ، وكذا لو قهرت زوجها .

                                                                                                                                                                        ولو قهر حربي أباه أو ابنه ، فهل له بيعه ؟ وجهان ، أحدهما : لا ، وبه قال ابن الحداد : لا يعتق عليه بالملك . والثاني : نعم ; لأن القهر دائم ، وبهذا أفتى الشيخ أبو زيد ، ويشبه أن يرجح الأول ، ويتجه أن يقال : لا يملكه بالقهر ، لاقتران سبب العتق بسبب الملك . ويخالف الشراء فإنا صححناه لكونه ذريعة إلى تخليصه من الرق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قد سبق أنه لو اشترى بعض قريبه ، عتق عليه ، وسرى إلى الباقي ، وفي معناه قبول الهبة والوصية . ولو ورث نصفه ، لا يسري ، [ ص: 135 ] وشراء الوكيل وقبوله الهبة والوصية كشرائه وقبوله لصدوره عن اختياره ، وكذا قبول نائبه شرعا ، حتى لو أوصى له ببعض ابنه ، فمات ، وقبل الأخ الوصية ، عتق الشقص على الميت ، وسرى إلى الباقي إن وفى به الثلث ، وينزل قبول وارثه منزلة قبوله في حياته . ولو أوصى له ببعض من يعتق على وارثه ، بأن أوصى له ببعض ابن أخيه ، فمات ، وقبل الأخ الوصية ، عتق الشقص على الميت ، وسرى إلى الباقي إن وفى به الثلث ، وينزل قبول وارثه منزلة قبوله في حياته .

                                                                                                                                                                        ولو أوصى له ببعض من يعتق على وارثه ، بأن أوصى له ببعض ابن أخيه ، فمات ، وقبل الأخ الوصية ، عتق الشقص ولا سراية على الأصح ; لأن الملك حصل للميت أولا ، ثم انتقل إلى الأخ إرثا ، ويجري الخلاف في السراية حيث يملك بطريق اختيار يتضمن الملك ، ولا يقصد به التملك ، كما إذا باع ابن أخيه بثوب ومات ، ووارثه الأخ ، فرد الثوب بعيب ، واسترد الشقص ، عتق عليه . وفي السراية الخلاف . ولو وهب لعبد بعض من يعتق على سيده ، فقبل ، وقلنا : يصح قبوله بغير إذن سيده ، عتق الموهوب على السيد ، وسرى ; لأن قبول العبد كقبوله شرعا .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا مشكل ، وينبغي أن لا يسري ; لأنه دخل في ملكه قهرا كالإرث . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جرح عبد أباه ، فاشتراه الأب ، ثم مات بالجراحة . إن قلنا : تصح الوصية للقاتل ، عتق من ثلثه ، وإلا لم يعتق . وعلى هذا قال البغوي : ينبغي أن تجعل صحة الشراء على وجهين ، كما لو اشتراه وعليه دين .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية