الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            (العجب والكبر والتواضع) عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى يوم القيامة وفي رواية لمسلم إن رجلا ممن كان قبلكم

                                                            التالي السابق


                                                            (العجب والكبر والتواضع) (الحديث الأول) عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم بينا رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى يوم القيامة .

                                                            (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه مسلم من هذا الوجه من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ومن طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ إن رجلا ممن كان قبلكم يتبختر في حلة الحديث واتفق عليه الشيخان من طريق شعبة عن [ ص: 168 ] محمد بن زيادة عن أبي هريرة بلفظ بينا رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة لفظ البخاري ، ولم يسق مسلم لفظه ، وأخرجه أيضا من طريق الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ بينما رجل يمشي قد أعجبته جمته وبرداه وأخرجه البخاري من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة .

                                                            (الثانية) قيل يحتمل أن هذا الرجل من هذه الأمة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقع هذا ، وقيل بل هو إخبار عمن قبل هذه الأمة . قال القاضي عياض : وهذا أظهر .

                                                            وقال النووي : هذا هو الصحيح وهو معنى إدخال البخاري له في ذكر بني إسرائيل (قلت) : وقد صرح به في رواية مسلم المتقدمة حيث قال فيها : إن رجلا ممن كان قبلكم وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن كريب قال كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب فقال : يا كريب بلغنا مكان كذا وكذا ؟ قلت : أنت عنده الآن فقال حدثني العباس بن عبد المطلب قال بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع إذ أقبل رجل يتبختر بين بردين ، وينظر في عطفيه قد أعجبته نفسه إذ خسف الله به الأرض في هذا الموطن ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .



                                                            (الثالثة) البرد بضم الباء الموحدة وإسكان الراء المهملة نوع من الثياب معروف . قال في المحكم : ثوب فيه خطوط وخص بعضهم به الوشي والجمع أبراد وأبرد وبرود .

                                                            وقال أبو العباس القرطبي البردان الرداء والإزار وهذا على طريقة تثنية العمرين والقمرين انتهى . وفي تعيينه أن البردين إزار ورداء نظر ، وقوله إنه كالعمرين والقمرين مردود ؛ لأن ذاك فيه تغليب وهذا لا تغليب فيه بل كل من مفرديه برد ، ولو قيل للإزار والرداء إزاران أو رداءان لكان من باب التغليب .



                                                            (الرابعة) في هذه الرواية قد أعجبته نفسه وفي الأخرى قد أعجبته جمته وبرداه . قال أبو العباس القرطبي إعجاب الرجل بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة الله تعالى فإن رفعها على الغير واحتقره فهو الكبر المذموم .

                                                            (الخامسة) قوله يتجلجل بالجيم واللام المكررتين أي يتحرك وينزل مضطربا قاله الخليل وغيره .

                                                            وقوله يوم القيامة مجرور بحتى وهي دالة على انتهاء الغاية بشرط كون المجرور بها آخر [ ص: 169 ] جزء أو مكافئ آخر جزء ذكره الزمخشري ، وطائفة من المغاربة وابن مالك في شرح الكافية ولم يشترط ذلك في التسهيل .

                                                            (السادسة) قال أبو العباس القرطبي يفيد هذا الحديث ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب ، وأن عجب المرء بنفسه وثوبه وهيئته حرام وكبيرة .




                                                            الخدمات العلمية